فقالوا: يا رسول الله قد ظهر على ابن بندى وابن أبي مارية ما ادعيناه عليهما، فانتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله عز وجل الحكم في ذلك.
فأنزل الله تبارك وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض، فأطلق الله عز وجل شهادة أهل الكتاب على الوصية فقط إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين.
ثم قال: " فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الاثمين "، فهذه الشهادة الأولى التي حلفها رسول الله صل ى الله عليه وآله وسلم " فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أي أنهما حلفا على كذب " فآخران يقومان مقامهما " يعنى من أولياء المدعى " من الذين استحق عليهم الأوليان " الأولين " فيقسمان بالله " أي يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما وأنهما قد كذبا فيما حلفا بالله " لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ".
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولياء تميم الداري أن يحلفوا بالله على ما أمرهم به فحلفوا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القلادة والانية من ابن بندى وابن أبي مارية وردهما إلى أولياء تميم الداري " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ".
أقول: وأورده القمي في تفسيره مثله وفيه بعد قوله: " تحبسونهما من بعد الصلاة: يعنى صلاة العصر، وقوله عليه السلام: " الأولين " الظاهر أنه بصيغة التثنية والمراد بهما الشاهدان الأولان تفسيرا لقوله تعالى: " الأوليان " وظاهره على قراءته عليه السلام " استحق " بالبناء للفاعل كما نسبت إلى علي عليه السلام، وقد قدمنا في البيان السابق أنه أوضح المعاني المحتملة على هذه القراءة.
وفي الدر المنثور: أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبى النضر وهو الكلبي عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " قال: برئ الناس منهما غيري وغير عدى ابن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبنى سهم يقال له: بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد