معلومة له تعالى بنفس وجودها لا بصورة مأخوذة منها نظير علومنا وإدراكاتنا وهو ظاهر ولازم ذلك أن يكون إرادته تعالى العلم بشئ هي إرادة تحققه وظهوره وحيث قال وليعلم الله الذين آمنوا فأخذ وجودهم محققا أفاد ذلك إرادة ظهور إيمانهم وإذا كان ذلك على سنة الأسباب والمسببات لم يكن بد من وقوع أمور توجب ظهور إيمان المؤمن بعد خفائه فافهم ذلك.
وأما قوله ويتخذ منكم شهداء فالشهداء شهداء الأعمال وأما الشهداء بمعنى المقتولين في معركة القتال فلا يعهد استعماله في القرآن وإنما هو من الألفاظ المستحدثة الاسلامية كما مر في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء:
البقرة - 143 على أن قوله ويتخذ أيضا لا يلائم الشهداء بمعنى المقتولين في المعركة كثير ملاءمة فلا يقال اتخذ الله فلانا مقتولا في سبيله وشهيدا كما يقال اتخذ الله إبراهيم خليلا واتخذ الله موسى كليما واتخذ الله النبي شهيدا يشهد على أمته يوم القيامة.
وقد غير السياق فقال ويتخذ منكم شهداء ولم يقل ويتخذهم شهداء لان الشهادة وإن أضيفت إلى الأمة في قوله وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس: البقرة - 143 إلا أنها من قبيل وصف البعض المضاف إلى الكل والشهداء بعض الأمة دون كلهم وقد مر بيان ذلك في سورة البقرة ويمكن أن يتأيد هذا الذي ذكرناه بقوله بعده والله لا يحب الظالمين.
وأما قوله وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين فالتمحيص هو تخليص الشئ من الشوائب الخارجة والمحق إنفاد الشئ تدريجا وإزالته شيئا فشيئا وهذا التمحيص من حكم مداولة الأيام ومصالحها وهو غير العلم بالذين آمنوا الذي هو أيضا من حكم مداولة الأيام فإن تمييز المؤمن من غير المؤمن أمر وتخليص إيمانه بعد التمييز من شوائب الكفر والنفاق والفسوق أمر آخر ولذلك قوبل بالمحق للكافرين فالله سبحانه يزيل أجزاء الكفر ونحوه من المؤمن شيئا فشيئا حتى لا يبقى إلا إيمانه فيكون خالصا لله ويبيد أجزاء الكفر والشرك والكيد من الكافر شيئا فشيئا حتى لا يبقى شئ.
فهذه وجوه من الحكمة في مداولته تعالى الأيام بين الناس وعدم استمرار الدولة بين قوم خاص ولله الامر كله يفعل ما يشاء ولا يفعل إلا الأصلح الأنفع كما