قال كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض: الرعد - 17 وقد قال الله تعالى قبيل هذه الآيات ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فنفى أن يكون لنبيه من الامر شئ وقصر الامر في نفسه يحكم في خلقه كيف يشاء وهذا الكلام أعني ما يبين أن الأيام مقسومة بين الناس لغرض الامتحان وتمييز المؤمن من الكافر وتمحيص المؤمنين ومحق الكافرين مع ما مر من نفى رجوع الامر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكشف عن أن المؤمنين كان يظن أكثرهم أن كونهم على دين الحق سبب تام في غلبتهم أينما غزوا وظهورهم على الباطل كيفما كانوا فهم يملكون الامر لا يدفعون عن ذلك وقد أجرأهم على هذا الحسبان ما شاهدوه يوم بدر من ظهورهم العجيب على عدوهم ونزول ملائكة النصر وهذا ظن فاسد يوجب بطلان نظام الامتحان والتمحيص وفي ذلك بطلان مصلحة الأمر والنهي والثواب والعقاب ويؤدى ذلك إلى انهدام أساس الدين فإنما الدين دين الفطرة غير مبنى على خرق العادة الجارية والسنة الإلهية القائمة في الوجود بابتناء الغلبة والهزيمة على أسبابهما العادية.
شرح سبحانه بعد بيان أن الأيام دول متداولة لغرض الامتحان والابتلاء في ملامتهم في حسبان هذا النظر الباطل وبيان حقيقة الحال فقال أم حسبتم إلى آخر الآيات.
قوله تعالى أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله إلى آخر الآيتين وهذا أعني ظنهم أن يدخلوا الجنة من غير أن يمتحنوا لازم الظن المذكور آنفا وهو أنهم لما كانوا على الحق والحق لا يغلب عليه فأمر الظفر والغلبة إليهم لن ينهزموا ولن يغلبوا أبدا ومن المعلوم أن لازم هذا الظن أن يكون كل من آمن بالنبي ولحق بجماعة المؤمنين سعيدا في دنياه بالغلبة والغنيمة وسعيدا في آخرته بالمغفرة والجنة ويبطل الفرق بين ظاهر الايمان وحقيقته ويرتفع التمايز بين الدرجات فإيمان المجاهد وإيمان المجاهد الصابر واحد ومن تمنى خيرا ففعله إذا حان حينه كان كمن تمنى خيرا ثم تولى إذا أصابه.
وعلى هذا فقوله أم حسبتم أن تدخلوا الخ من قبيل وضع المسبب موضع السبب أي حسبتم أن الدولة مكتوبة لكم فأنتم لا تبتلون بل تدخلون الجنة من غير أن يتميز