منهم وفوت النصر والفتح بعد ما أطلا عليهم.
وهذه الجملة أعني قوله إن يمسسكم الخ وما بعدها من الجمل المتسقة إلى قوله ويمحق الكافرين في موضع التعليل كما مر لقوله ولا تهنوا ولا تحزنوا كما أن قوله وأنتم الأعلون تعليل آخر.
والفرق بين النوعين من التعليل أن الأول أعني قوله وأنتم الأعلون الخ تعليل من طريق التخطئة لظنهم فإنهم إنما وهنوا وحزنوا لما ظنوا علاء المشركين عليهم فخطأهم الله بأن ملاك العلاء معكم إن كنتم مؤمنين لا مع المشركين وقد قال تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين: الروم - 47.
وأما الثاني فمن طريق بيان حال الفريقين المؤمنين والمشركين أو بيان الحكم والمصالح التي ترجع إلى أصل واحد وهو السنة الإلهية الجارية بمداولة الأيام بين الناس.
قوله تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس اليوم هو المقدار المعتد به من الزمان اللازم لحدوث الحوادث فيختلف باختلاف الحوادث وقد شاع استعماله فيما بين طلوع الشمس وغروبها وربما استعمل في الملك والسلطنة والقهر ونحوها بعلاقة الظرف والمظروف فيقال يوم جماعة كذا ويوم آل فلان أي تقدمهم وحكومتهم على غيرهم وقد يقال لنفس الزمان الذي وقع فيه ذلك والمراد بالأيام في الآية هو هذا المعنى والمداولة جعل الشئ يتناوله واحد بعد آخر فالمعنى أن السنة الإلهية جرت على مداولة الأيام بين الناس من غير أن توقف على قوم ويذب عنها قوم لمصالح عامة تتبع هذه السنة لا تحيط أفهامكم إلا ببعضها دون جميعها.
قوله تعالى وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء الخ عطف على محذوف حذف للتلويح على أنه مما لا تحيط به الافهام ولا تدركه العقول إلا من بعض جهاتها والذي ينفع المؤمنين العلم به هو ما ذكره بقوله وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء الخ وبقوله وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين.
أما قوله وليعلم الله الذين آمنوا فالمراد به ظهور إيمان المؤمنين بعد بطونه وخفائه فإن علمه تعالى بالحوادث والأشياء في الخارج عين وجودها فيه فإن الأشياء