الحوب الاثم مصدر واسم مصدر قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قد مرت الإشارة فيما مر إلى أن أهل الجاهلية من العرب وكانوا لا يخلون في غالب الأوقات عن الحروب والمقاتل والغيلة والغارة وكان يكثر فيهم حوادث القتل كان يكثر فيهم الأيتام وكانت الصناديد والأقوياء منهم يأخذون إليهم يتامى النساء وأموالهن فيتزوجون بهن ويأكلون أموالهن إلى أموالهم ثم لا يقسطون فيهن وربما أخرجوهن بعد أكل مالهن فيصرن عاطلات ذوات مسكنة لا مال لهن يرتزقن به ولا راغب فيهن فيتزوج بهن وينفق عليهن وقد شدد القرآن الكريم النكير على هذا الدأب الخبيث والظلم الفاحش وأكد النهي عن ظلم اليتامى وأكل أموالهم كقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا: النساء - 10 وقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا الآية: النساء - 2 فأعقب ذلك أن المسلمين أشفقوا على أنفسهم كما قيل وخافوا خوفا شديدا حتى أخرجوا اليتامى من ديارهم خوفا من الابتلاء بأموالهم والتفريط في حقهم ومن أمسك يتيما عنده أفرز حظه من الطعام والشراب وكان إذا فضل من غذائهم شئ لم يدنوا منه حتى يبقى ويفسد فأصبحوا متحرجين من ذلك وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وشكوا إليه فنزل ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم البقرة - 220 فأجاز لهم أن يؤووهم ويمسكوهم إصلاحا لشأنهم وإن يخالطوهم فإنهم إخوانهم فجلى عنهم وفرج همهم.
إذا تأملت في ذلك ثم رجعت إلى قوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا الخ وهو واقع عقيب قوله وآتوا اليتامى أموالهم الآية اتضح لك أن الآية واقعة موقع الترقي بالنسبة إلى النهي الواقع في الآية السابقة والمعنى والله أعلم: اتقوا أمر اليتامى ولا تتبدلوا خبيث أموالكم بطيب أموالهم ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتى أنكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات منهم ولم تطب نفوسكم أن تنكحوهن وتتزوجوا بهن فدعوهن وانكحوا نساءا غيرهن ما