باختلاف الأغراض والمقاصد فقيل سفيه لخفيف الرأي في الأمور الدنيوية وسفيه للفاسق غير المبالي في أمر دينه وهكذا.
وظاهر ما يتراءى من الآية أنه نهى عن الاكثار في الانفاق على السفهاء وإعطائهم من المال أزيد من حاجاتهم الضرورية في الارتزاق غير أن وقوع الآية في سياق الكلام في أموال اليتامى التي يتولى أمر إدارتها وإنمائها الأولياء قرينة معينة على كون المراد بالسفهاء هم السفهاء من اليتامى وأن المراد بقوله أموالكم في الحقيقة أموالهم أضيف إلى الأولياء بنوع من العناية كما يشهد به أيضا قوله بعد وارزقوهم فيها واكسوهم وإن كان ولا بد من دلالة الآية على أمر سائر السفهاء غير اليتامى فالمراد بالسفهاء ما يعم اليتيم وغير اليتيم لكن الأول أرجح.
وكيف كان فلو كان المراد بالسفهاء سفهاء اليتامى فالمراد بقوله أموالكم أموال اليتامى وإنما أضيفت إلى الأولياء المخاطبين بعناية أن مجموع المال والثروة الموجودة في الدنيا لمجموع أهلها وإنما اختص بعض أفراد المجتمع ببعض منه وآخر بآخر للصلاح العام الذي يبتنى عليه أصل الملك والاختصاص فيجب أن يتحقق الناس بهذه الحقيقة ويعلموا أنهم مجتمع واحد والمال كله لمجتمعهم وعلى كل واحد منهم أن يكلأه ويتحفظ به ولا يدعه يضيع بتبذير نفوس سفيهة وتدبير كل من لا يحسن التدبير كالصغير والمجنون وهذا من حيث الإضافة كقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم: النساء - 25 ومن المعلوم أن المراد بالفتيات ليس الإماء اللاتي يملكها من يريد النكاح.
ففي الآية دلالة على حكم عام موجه إلى المجتمع وهو أن المجتمع ذو شخصية واحدة له كل المال الذي أقام الله به صلبه وجعله له معاشا فيلزم على المجتمع أن يدبره ويصلحه ويعرضه معرض النماء ويرتزق به ارتزاقا معتدلا مقتصدا ويحفظه عن الضيعة والفساد ومن فروع هذا الأصل أنه يجب على الأولياء أن يتولوا أمر السفهاء فلا يؤتوهم أموالهم فيضيعوها بوضعها في غير ما ينبغي أن توضع فيه بل عليهم أن يحبسوها عنهم ويصلحوا شأنها وينموها بالكسب والاتجار والاسترباح ويرزقوا أولئك السفهاء من فوائدها ونمائها دون أصلها حتى لا ينفد رويدا رويدا وينتهى إلى مسكنة صاحب المال وشقوته.