ونظيرها الإرث فقد آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولا بين أصحابه وورث أحد الأخوين الآخر في أول الامر إعدادا لهم لما سيشرعه الله في أمر الوراثة ثم نزل قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين: الأحزاب - 6 وعلى هذا النحو غالب الاحكام المنسوخة والناسخة.
ففي جميع هذه الموارد وأشباهها تدرجت الدعوة في إظهار الاحكام وإجرائها أخذا بالارفاق لحكمة الحفظ لسهولة التحميل وحسن التلقي بالقبول قال تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا: أسرى - 106 ولو كان القرآن نزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم دفعة واحدة ثم بين الرسول تفاصيل شرائعه على ما يوظفه عليه قوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم: النحل - 44 فأتى ببيان جميع معارفه الاعتقادية والأخلاقية وكليات الاحكام العبادية والقوانين الجارية في المعاملات والسياسات وهكذا لم تستطع الافهام عندئذ تصورها وحملها فضلا عن قبول الناس لها وعملهم بها وحكومتها على قلوبهم في أرادتها وعلى جوارحهم وأبدانهم في فعلها فتنزيله على مكث هو الذي هيأ للدين إمكان القبول والوقوع في القلوب وقال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا: الفرقان - 32 وفي الآية دلالة على أن سبحانه كان يرفق برسوله صلى الله عليه وآله وسلم في إنزال القرآن نجوما كما أرفق بأمته فتدبر في ذلك وتأمله وفي ذيل الآية قوله ورتلناه ترتيلا.
ومن الواجب أن يتذكر أن السلوك من الاجمال إلى التفصيل والتدرج في إلقاء الاحكام إلى الناس من باب الارفاق وحسن التربية ورعاية المصلحة غير المداهنة والمساهلة وهو ظاهر.
الثانية السلوك التدريجي من حيث انتخاب المدعوين وأخذ الترتيب فيهم فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مبعوثا إلى كافة البشر من غير اختصاص دعوته بقوم دون قوم ولا بمكان دون مكان ولا بزمان دون زمان ومرجع الأخيرين إلى الأول في الحقيقة البتة قال تعالى قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض: الأعراف - 158 وقال تعالى وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ: الانعام - 19 وقال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين: الأنبياء - 107