وأما العالم المحيط بهم ذلك اليوم من الروم والفرس والحبشة والهند وغيرهم فالقرآن يجمل القول فيه أما أهل الكتاب منهم أعني اليهود والنصارى ومن يلحق بهم فقد كانت مجتمعاتهم تدار بالأهواء الاستبدادية والتحكمات الفردية من الملوك والرؤساء والحكام والعمال فكانت مقتسمة طبعا إلى طبقتين طبقة حاكمة فعالة لما تشاء تعبث بالنفس والعرض والمال وطبقة محكومة مستعبدة مستذلة لا أمن لها في مال وعرض ونفس ولا حرية إرادة إلا ما وافق من يفوقها وقد كانت الطبقة الحاكمة استمالت علماء الدين وحملة الشرع وائتلفت بهم وأخذت مجامع قلوب العامة وأفكارهم بأيديهم فكانت بالحقيقة هي الحاكمة في دين الناس ودنياهم تحكم في دين الناس كيفما أرادت بلسان العلماء وأقلامهم وفي دنياهم بالسوط والسيف.
وقد اقتسمت الطبقة المحكومة أيضا على حسب قوتها في السطوة والجدة فيما بينهم نظير الاقتسام الأول والناس على دين ملوكهم إلى طبقتي الأغنياء المترفين والضعفاء والعجزة والعبيد وكذا إلى رب البيت ومربوبيه من النساء والأولاد وكذا إلى الرجال المالكين لحرية الإرادة والعمل في جميع شؤون الحياة والنساء المحرومات من جميع ذلك التابعات للرجال محضا الخادمات لهم في ما أرادوه منهن من غير استقلال ولو يسيرا.
وجوامع هذه الحقائق التاريخية ظاهرة من قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون: آل عمران - 64 وقد أدرجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه إلى هرقل عظيم الروم وقد قيل إنه كتب بها أيضا إلى عظيم مصر وعظيم الحبشة وملك الفرس وإلى نجران.
وكذا قوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم: الحجرات - 13 وقوله في ما وصى به التزوج بالإماء والفتيات بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن: النساء - 25 وقوله في النساء أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض:
آل عمران - 195 إلى غير ذلك من الآيات.
وأما غير أهل الكتاب وهم يومئذ الوثنية ومن يلحق بهم فقد كان الوضع فيهم أردأ وأشأم من وضع أهل الكتاب والآيات النازلة في الاحتجاج عليهم تكشف عن