الحق ولو توسلت إليه بباطل لكان ذلك منها إمضاءا وإنفاذا للباطل فتصير دعوة باطلة لا دعوة حقة.
ولهذه الحقيقة ظهورات بارزة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والطاهرين من آله عليهم السلام.
وبذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلم ربه ونزل به القرآن في مواطن راودوه فيها للمساهلة أو المداهنة ولو يسيرا في أمر الدين قال تعالى قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين: سورة الكافرون - وقال تعالى وفيه لحن التهديد ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات: أسرى - 75 وقال تعالى وما كنت متخذ المضلين عضدا: الكهف - 51 وقال تعالى وهو مثل وسيع المعنى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا: الأعراف - 58.
وإذ كان الحق لا يمازج الباطل ولا يلتئم به فقد أمره الله سبحانه حينما أعباه ثقل الدعوة بالرفق والتدرج في أمرها بالنظر إلى نفس الدعوة والمدعو والمدعو إليه من ثلاث جهات.
الأولى من جهة ما اشتمل عليه الدين من المعارف الحقة والقوانين المشرعة التي من شأنها إصلاح شؤون المجتمع الانساني وقطع منابت الفساد فإن من الصعب المستصعب تبديل عقائد الناس ولا سيما إذا كانت ناشبة في الأخلاق والأعمال وقد استقرت عليها العادات ودارت عليها القرون وسارت عليها الأسلاف ونشأت عليها الاخلاف ولا سيما إذا عمت كلمة الدين ودعوته جميع شؤون الحياة واستوعبت جميع الحركات الانسانية وسكناتها في ظاهرها وباطنها في جميع أزمنتها ولجميع أشخاصها وأفرادها ومجتمعاتها من غير استثناء كما أنه شأن الاسلام فإن ذلك مما يدهش الفكرة تصوره أو هو محال عادى.
وصعوبة هذا الامر ومشقته في الأعمال أزيد منها في الاعتقادات فإن استيناس الانسان واعتياده ومساسه بالعمل أقدم منه بالاعتقاد وهو أظهر لحسه وآثر عند