وما كان منها مادة التمثيل فيه بعض القصة فإنه اقتصر على مادة التمثيل فوضعت موضع تمام القصة لان الغرض من التمثيل حاصل بذلك، على ما فيه من تنشيط ذهن السامع بفقده أمرا ووجد انه أمرا آخر مقامه يفي بالغرض منه، فهو هو بوجه وليس به بوجه، فهذا من الايجاز بالقلب على وجه لطيف يستعمله القرآن.
قوله تعالى: أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مأة حبة، السنبل معروف وهو على فنعل، قيل الأصل في معنى مادته الستر سمي به لأنه يستر الحبات التي تشتمل عليها في الأغلفة.
ومن اسخف الاشكال ما أورد على الآية أنه تمثيل بما لا تحقق له في الخارج وهو اشتمال السنبلة على مأة حبة، وفيه أن المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقق مضمونة في الخارج فالأمثال التخيلية أكثر من أن تعد وتحصى، على أن اشتمال السنبلة على مأة حبة وإنبات الحبة الواحدة سبعمأة حبة ليس بعزيز الوجود.
قوله تعالى: والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، أي يزيد على سبعمأة لمن يشاء فهو الواسع لا مانع من جوده ولا محدد لفضله كما قال تعالى: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة " البقرة - 245، فأطلق الكثرة ولم يقيدها بعدد معين.
وقيل: إن معناه أن الله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء فالمضاعفة إلى سبعمأة ضعف غاية ما تدل عليه الآية، وفيه ان الجملة على هذا يقع موقع التعليل، وحق الكلام فيه حينئذ ان يصدر بإن كقوله تعالى: " الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس " المؤمن - 61، وأمثال ذلك.
ولم يقيد ما ضربه الله من المثل بالآخرة بل الكلام مطلق يشمل الدنيا كالآخرة وهو كذلك والاعتبار يساعده، فالمنفق بشئ من ماله وإن كان يخطر بباله ابتداءا أن المال قد فات عنه ولم يخلف بدلا، لكنه لو تأمل قليلا وجد أن المجتمع الانساني بمنزلة شخص واحد ذو أعضاء مختلفة بحسب الأسماء والاشكال لكنها جميعا متحدة في غرض الحياة، مرتبطة من حيث الأثر والفائدة، فإذا فقد واحد منها نعمة الصحة والاستقامة، وعى في فعله أوجب ذلك كلال الجميع في فعلها، وخسرانها في أغراضها