مقارنا لذكر الانفاق والصدقة والحث عليه والترغيب فيه.
على أن الاعتبار أيضا يساعد الارتباط بينهما بالتضاد والمقابلة، فإن الربا أخذ بلا عوض كما أن الصدقة إعطاء بلا عوض، والآثار السيئة المترتبة على الربا تقابل الآثار الحسنة المترتبة على الصدقة وتحاذيها على الكلية من غير تخلف واستثناء، فكل مفسدة منه يحاذيها خلافها من المصلحة منها لنشر الرحمة والمحبة، وإقامة أصلاب المساكين والمحتاجين، ونماء المال، وانتظام الامر واستقرار النظام والامن في الصدقة وخلاف ذلك في الربا.
وقد شدد الله سبحانه في هذه الآيات في أمر الربا بما لم يشدد بمثله في شئ من فروع الدين إلا في تولي أعداء الدين، فإن التشديد فيه يضاهي تشديد الربا، واما سائر الكبائر فإن القرآن وإن أعلن مخالفتها وشدد القول فيها فإن لحن القول في تحريمها دون ما في هذين الامرين، حتى الزنا وشرب الخمر والقمار والظلم، وما هو أعظم منها كقتل النفس التي حرم الله والفساد، فجميع ذلك دون الربا وتولي أعداء الدين.
وليس ذلك إلا لان تلك المعاصي لا تتعدى الفرد أو الافراد في بسط آثارها المشؤمة، ولا تسري إلا إلى بعض جهات النفوس، ولا تحكم إلا في الأعمال والافعال بخلاف هاتين المعصيتين فإن لهما من سوء التأثير ما ينهدم به بنيان الدين ويعفى أثره، ويفسد به نظام حياة النوع، ويضرب الستر على الفطرة الانسانية ويسقط حكمها فيصير نسيا منسيا على ما سيتضح إنشاء الله العزيز بعض الاتضاح.
وقد صدق جريان التاريخ كتاب الله فيما كان يشدد في أمرهما حيث أهبطت المداهنة والتولي والتحاب والتمائل إلى أعداء الدين الأمم الاسلامية في مهبط من الهلكة صاروا فيها نهبا منهوبا لغيرهم، لا يملكون مالا ولا عرضا ولا نفسا، ولا يستحقون موتا ولا حياة، فلا يؤذن لهم فيموتوا، ولا يغمض عنهم فيستفيدوا من موهبة الحياة، وهجرهم الدين، وارتحلت عنهم عامة الفضائل.
وحيث ساق أكل الربا إلى ادخار الكنوز وتراكم الثروة والسودد فجر ذلك إلى الحروب العالمية العامة، وانقسام الناس إلى قسمي المثري السعيد والمعدم الشقي، وبان البين، فكان بلوى يدكدك الجبال، ويزلزل الأرض، ويهدد الانسانية بالانهدام، والدنيا بالخراب، ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى.
وسيظهر لك إنشاء الله تعالى ان ما ذكره الله تعالى من أمر الربا وتولي أعداء