تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٩٤
أراد بردائه سيفه، ثم قال: فاعتجر منه بشطر، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل فكساها لباس الجوع والخوف، ولقال كثيرا: ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكا، وقد يجتمعان كما في قوله:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم فشاكي السلاح تجريد لأنه وصف يلائم المستعار له أي الرجل الشجاع، وقوله * له لبد أظفاره لم تقلم * ترشيح لأن هذا الوصف يلائم المستعار منه، وهو الأسد الحقيقي.
(وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقلينني لكن إياك لا أقلى) في سورة الكهف عند قوله تعالى (لكنا هو الله ربى) أصله لكن أنا وقرئ كذلك، فحذفت الهمزة فتلاقت النونان ثم أسكنت الأولى وأدغمت في الثانية فصار لكن، ثم ألحق الألف إجراء للوصل مجرى الوقف لأن الوقف على أنا بالألف، ولأن الألف تدل على أن الأصل لكن أنا وبغيرها يلزم الإلباس بينه وبين لكن المشددة، ولما كان الضمير في ربى راجعا إلى أنا الذي هو المبتدأ جاز هذا التقدير. تقول: إنما هو صاحبي ولا تقول إنما هو الصاحب.
والفرق بين الآية والبيت أنه لم يجر الوصل مجرى الوقف في البيت فلم يلحق الألف: أي وتشيرين إلى بالعين، تقولين: أنت مجرم وتبغضينني أشد البغض لكن أنا لا أبغضك، كذلك يقال قلاه يقليه وقليه يقلاه: إذا أبغضه وربما فتح لامه فقيل قلاه. وقد استشهد ابن هشام بالبيت المذكور على وقوع أي تفسيرا للجمل، وقريب من هذا البيت قوله:
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجيا عظيم المشافر أي ولكنك.
(في مهمه قلقت به هاماتها * قلق الفؤوس إن أردن نصولا) في سورة الكهف عند قوله تعالى (جدارا يريد أن ينقض) حيث استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما أستعير لهم والعزم لذلك. قال الراعي في مهمه الخ. المهمة: المفازة. والهامة: وسط الرأس. والفؤوس جمع فأس:
وهو الحديد الذي يفلق به الحطب. والنصول: الخروج. يقال نصل نصولا: أي يخرج من موضعه، وكل شئ أخرجته من شئ فقد أنصلته. يصف شدة تلك المفازة وأن هامات النوق فيها مقلقة قلق الفؤوس إذا أرادت أن تخرج من نصابها.
(وضاقت الأرض حتى كأن هاربهم * إذا رأى غير شئ ظنه رجلا) في سورة مريم عند قوله تعالى (ولم تك شيئا) لأن المعدوم ليس بشئ أو شيئا يعتد به كقولهم: عجبت من لا شئ كأنه مأخوذ من قوله (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو) والشئ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام وإما حكما كالأقوال، نحو قلت شيئا وجمع الشئ أشياء غير منصرف. واختلف في علته اختلافا كثيرا، والأقرب ما حكى عن الخليل أن وزنه شيئا وزان حمراء، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع فنقلت الأولى إلى أول الكلمة فبقيت لفعاء كما قلبوا أدؤرا فقالوا آدر وشبهه ويجمع الأشياء على أشايا، والمشيئة اسم منه بالهمز، والإدغام غير سائغ إلا على قياس من يحمل الأصلي على الزائد لكنه غير منقول.
(حلت لي الخمر وكنت امرأ * من شربها في شغل شاغل فاليوم أشرب غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل)
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»
الفهرست