تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٩٣
يفصدوا الإبل قراة ناقة أو جملا، ويخرجوا من الدم ما يكفيه ويرفعوا ذلك الدم على النار حتى يشتد ويصير قطعا مثل قطع الكبد ويطعموه، فحرم الله تعالى ذلك بقوله (حرمت عليكم الميتة والدم) ويحتمل أن يكون المراد من قوله: يجرح في عراقيبها نصلى، ذبح الناقة ونحرها، لأن الناقة ربما تعقر عند النحر كيلا تحتاج إلى إحكام وإبرام.
والنصل: هو السيف. ودل البيت على أنه مضياف نحار في أزمان الأزمة الشديدة، وهو لذي الرمة، والضمير عائد إلى الإبل في قوله قبل هذا البيت:
وما لام من يوم أخ وهو صادق * أخا لي ولا اعتلت على ضيفها إبلي إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه * فصالي ولو كانت عجافا ولا أهلي وإن تعتذر، البيت:
(حفد الولائد بينهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال) في سورة النحل عند قوله تعالى (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) جمع حافد وهو الذي يسرع في الخدمة والطاعة، ومنه قول القانت (وإليك نسعى ونحفد) أي جعل لكم خدما يسرعون في خدمتكم وطاعتكم، فقيل المراد بهم أولاد الأولاد، وقيل البنات، حفد الولائد جمع الوليدة وهى الأمة. يقول: إن الإماء يسرعن بينهن وأزمة الجمال بأكفهن، يريد أنهن منعمات مخدومات ذوات الإماء والأجمال.
(غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال) في سورة النحل عند قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) استعار الرداء للعطاء لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه، ثم وصفه بالغمر الذي يلائم العطاء دون الرداء تجريدا للاستعارة. والقرينة:
سياق الكلام وهو قوله: إذا تبسم ضاحكا: أي شارعا في الضحك آخذا فيه غلقت لضحكته رقاب المال. يقال غلق الرهن في يد المرتهن: إذا لم يقدر على فكاكه، وغلق الرجل مثل غضب وضجر لفظا ومعنى، وهو مشتق من غلق الباب، فإنه يمنع الداخل من الخروج والخارج من الدخول فلا يفتح إلا بمفتاح، قال الشاعر:
وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا يعنى إذا تبسم غلقت رقاب أمواله في يد السائلين، وعليه قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع) حيث لم يقل فكساها، لأن الترشيح وإن كان أبلغ لكن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس. فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة بخلاف الكسوة، وإنما لم يقل طعم الجوع، لأنه وإن لاءم الإذاقة فهو مفوت لما يفيده لفظ اللباس من بيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس.
واعلم أنه إن قرن اللفظ بما يلائم المستعار له فتسمى الاستعارة مجردة كما في الآية والبيت، وإن قرن بما يلائم المستعار منه فمرشحة نحو (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) وكقوله:
ينازعني ردائي أم عمرو (1) * رويدك يا أخا عمرو بن بكر لي الشطر الذي ملكت يميني * ودونك فاعتجر منه بشطر

(1) الذي في شروع التلخيص وشواهده " عبد عمرو " كتبه مصححه.
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»
الفهرست