حرف الألف (ويصعد حتى يظن الجهول * بأن له حاجة في السماء البيت لأبى تمام في سورة البقرة عند قوله تعالى (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) فإن المنافقين لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى وعقب ذلك بتمثيل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة حول المستوقد والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات، فكأنهم من حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من الآيات والذكر الحكيم وأبوا أن يتلقوها بالقبول وينطقوا بها وأصروا على ذلك صاروا كفاقدي تلك المشاعر بالكلية كقوله:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بشر عندهم أدنوا أصم عن الشئ الذي لا يريده * وأسمع خلق الله حين يريد وهذا عند مفلق سحرة البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسى التشبيه كما في قول أبى تمام في مدح خالد ابن يزيد الشيباني ويذكر أباه، وهذا البيت في مدح أبيه وذكر علوه فإنه استعمار الصعود لعلو القدر والارتقاء في معارج الكمال، ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان من الارتقاء إلى السماء في مدارج الحاجة في السماء، وليس ذلك من قبيل الاستعارة التي يطوى لها ذكر المستعار بالكلية، حتى لو لم يكن هناك يكن قرينة كدلالة الحال أو فحوى الكلام يحمل على المعنى الحقيقي كقول زهير: لدى أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم (يوحون بالخطب الطوال وتارة * وحى اللواحظ خيفة الرقباء) في سورة البقرة عند قوله تعالى (فهم لا يرجعون أو كصيب) حيث ثنى الله تعالى في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفا لحالهم بعد كشف، وإيضاحا غب إيضاح، وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع كما في الجاحظ يوحون الخ. قيل لأبى عمرو بن العلاء: لما كانت العرب تطنب؟ فقال: ليسمع منها، فقيل: فلم توجز؟ قال: ليحفظ عنها; ومن هذا القيل ما أورد من تجاهل العارف كالمبالغة في المدح في قول البحتري يمدح الفتح بن خاقان:
ألمع برق بدا أم ضوء مصباح * أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي أو التدله في الحب كقول العرجي:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا * ليلاي منكن أم ليلى من البشر وما أحسن القاضي الفاضل يمدح الملك العادل أبا بكر بن أيوب:
أهذه سير في الفضل أم سور * وهذه أنجم في السعد أم غرر وأنمل أم بحار والسيوف بها * موج وافرندها في لجها درر وأنت في الأرض أم فوق السماء وفى * يمينك البحر أم في وجهك القمر إلى غير ذلك من مستظرفات الأمثال: