تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٩١
(أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى * عقيلة مال الفاحش المتشدد) في سورة والعاديات عند قوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) هو البخيل الممسك، يقال فلان شديد ومتشدد قال طرفة: أرى الموت الخ: أي وإنه لأجل حب المال وإنفاقه يثقل عليه لبخيل ممسك وأراد بالشديد القوى، وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوى مطيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس: أي إنه شديد لهذا الأمر قوى له، وإنه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض. والإعتيام: الاختيار.
وعقيلة كل شئ: أكرمه. والفاحش: البخيل، قال تعالى (ويأمركم بالفحشاء) والمعنى: أرى الموت يختار كرام الناس، وكرائم الأموال التي يضن بها.
(تحن إلى أجبال مكة ناقتي * ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة) في سورة الهمزة عند قوله تعالى (إنما عليهم مؤصدة) من حن إذا اشتاق، وحنين الناقة: نزاعها إلى ولدها ووطنها. وأجبال جمع جبل. ومؤصدة: أي مطبقة مغلقة من أوصد بالألف وأوصد الباب إذا أغلقه.
(وإني لمحسود وأعذر حاسدي * وما حاسد في المكرمات بحاسد) في سورة الفلق عند قوله تعالى (ومن شر حاسد إذا حاسد) والكامل الفاضل لا يخلو من حاسد يحسد فضله كما قيل:
إن يحسدوك على فضل خصصت به * فكل منفرد بالفضل محسود ومن الحسد ما هو محمود وهو الحسد في الخيرات، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا حسد إلا في اثنتين:
رجل آتاه الله مالا فجعله في حق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضى بها " قيل عنى بالحسد هنا الغبطة، ومنه قوله:
فافخر فما من سماء للعلى ارتفعت * إلا وأفعالك الحسنى لها عمد واعذر حسودك فيما خصصت به * إن العلى حسن في مثلها الحسد حرف الراء (فهياك والأمر الذي إن تراحبت * موارده ضاقت عليك مصادره) هو لمضرس بن ربعي (1). في سورة الفاتحة عند قوله تعالى (إياك نعبد) أصل إياك هياك قلبت الهمزة هاء، واختلفوا فيه هل هو من قبيل الأسماء الظاهرة أو المضمرة، فالجمهور على أنه مضمر، وقال الزجاج: هو اسم ظاهر وترجيح القولين مذكور في كتب النحو. والقائلون بأنه ضمير اختلفوا فيه على أربعة أقوال: أحدها أن إياك ضمير.
والثاني أن إيا وحده ضمير وما بعده اسم مضاف إليه مبين ما يراد به من تكلم وغيبة وخطاب. وثالثها إيا وحده ضمير وما بعده حرف مبين ما يراد به. ورابعها أن إيا عماد وما بعده هو الضمير، ودليله ثبوت إضافته إلى الظاهر في قولهم: إذا بلغ الستين فإياه وإيا الشواب، ويروى البيت هكذا:
فإياك والأمر الذي إن توسعت * موارده ضاقت عليك المصادر فما حسن أن يعذر المرء نفسه * وليس له من سائر الناس عاذر

(1) الذي في الكشاف نسبته لطفيل الغنوي كتبه مصححه.
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»
الفهرست