بمحالهم ويقول: أنعى فلانا، يريدون تشهير أمره وتعظيم الفجع به. يقول الشاعر: إذا مت فسيروا نعيي في القبائل والعشائر، كما قال طرفة بن العبد:
إذا مت فأنعيني بما أنا أهله * وشقى على الجيب يا ابنة معبد (هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكى حلائله) في سورة يوسف عند قوله تعالى (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) هم بالأمر: إذا قصده وعزم عليه، قال: هممت ولم أفعل الخ. ومنه قولك: لا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما: أي ولا أكاد أن أفعله كيدا ولا أهم هما، ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالأمر أمضاه ولم ينكل عنه. قيل إن عمير بن ضابئ البرجمي أتى الحجاج وهو شيخ يرعد فقال: أيها الأمير، إني من الضعفة وإن لي ابنا هو أقوى منى على الأسفار واحتمال مشاق السهول والأوعار، وقد خرج اسمى في هذا البعث، فإن رأى الأمير أن يقبله منى بديلا فعل. فقال الحجاج:
نفعل، فلما ولى قال قائل له: أيها الأمير هذا عمير الذي يقول * هممت ولم أفعل وكدت وليتني * الخ، ودخل هذا الشيخ على عثمان وهو مقتول فوطئ بطنه وكسر ضلعا من أضلاعه، فقال: ردوه فرد فقال: هلا بعثت أيها الشيخ إلى أمير المؤمنين عثمان يوم الدار بديلا،؟ إن في قتلك صلاحا، يا حرسي اضرب عنقه.
أتقتلني وقد شعفت فؤادها * (كما شعف المهنوءة الرجل الطالي) في سورة يوسف عند قوله تعالى (قد شغفها حبا) وشعف البعير: إذا هنأه فأحرقه بالقطران. قال: كما شعف المهنوءة الخ، والشغف: غلبة الحب على القلب وهو مأخوذ من الشغاف وهو حجاب القلب، وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب، وقيل: سويداء القلب. وعلى ذكر الشعف تذكرت حال كتابة هذا المحل عبارة في مكاتبة وردت على من قطب دائرة الوجود المرحوم سيدي محمد البكري وهى هذه: المحب الذي شغف به القلب وأجله فأحله خلال الشراسيف والضلوع، بل سواء السويداء والشغاف وهاتيك الربوع إلى آخرها. يقول الشاعر: أتقتلني المحبوبة والحال أنى قد شعفت فؤادها: أي علوت كما يعلو الرجل الطالي المهنوءة إذا هنأها بالقطران، أو كما ذهب الطالي للإبل بالقطران بقلوبها، والإبل تخاف من ذلك ثم تستروح إليه.
(فظللنا بنعمة واتكأنا * وشربنا الحلال من قلله) في سورة يوسف عند قوله تعالى (وأعتدت لهن متكأ) أي طعاما من قولك اتكأنا عند فلان: طعمنا على سبيل الكناية، لأن من دعوته ليطعم عندك اتخذت له تكأة يتكئ عليها كقول جميل: فظللنا بنعمة الخ، يقال لكل فاعل بالنهار: ظل يفعل كذا. واتكأنا: أخذنا متكأ يتكأ عليه، وأصله وكألأنه معتل. قال في الصحاح:
وأصل التاء في جميع ذلك واو ولم يذكر مادة تكأ. يقول: اشتغلنا طول النهار بالتنعم وأكل الطعام وشرب الشراب. وأراد بالحلال: النبيذ. والقلل جمع قلة: وهى إناء للعرب كالجرة الكبيرة والجمع قلال، مثل برمة وبرام، وربما قيل قلل مثل غرفة وغرف، وسميت قلة لأن الرجل يقلها: أي يحملها، وكل شئ حملته فقد أقللته.
(فقلت: يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي) في سورة يوسف عند قوله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) أراد لا تفتؤ بحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات،