تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٩٨
(تداركتما عبسا وقد ثل عرشها * وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل) في سورة الشعراء عند قوله تعالى (وأزلفنا ثم الآخرين) يعنى فرعون وقومه: أي قربناهم من بني إسرائيل، أو أدنينا بعضهم من بعض وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، وقرئ وأزلقنا بالقاف: أي أزلقنا أقدامهم، والمعنى: أذهبنا عزهم كقوله: تداركتما عبسا الخ. يقال ثل عرش فلان: إذا زال قوم أمره وتضعضعت حاله وثله الله، وثللت الشئ: إذا هدمته. وعبس وذبيان قبيلتان. ويقال زلت قدمه: إذا ذهب عزه، وفى المثل:
زلت نعله، يضرب لمن نكب وزالت نعمته. يقول: تداركتما حال القبيلتين بعد انفصامها وتضعضعهما.
(في الآل يرفعها ويخضفها * ريع يلوح كأنه سحل) في سورة الشعراء عند قوله تعالى (أتبنون بكل ريع) بالكسر والفتح: وهو المكان المرتفع. قال المسيب بن علس: في الآل يخفضها ويرفعها الخ. ومنه قولهم كم ريع أرضك؟ وهو ارتفاعها، والآية العلم (1) والسحل:
الأبيض من ثياب اليمن. قال في الصحاح: الريع المرتفع من الأرض، ومنه قوله تعالى (أتبنون بكل ريع) والريع أيضا: الطريق، وأنشد البيت. والمصنف استشهد به على الأول لأنها لبياضها وإنارتها يتخيل فيها ارتفاع من البعد، شبه الطريق بثوب أبيض. والآل: ما يلوح طرفي النهار، والسراب: وسطه.
(وأنت الشهير بخفض الجناح * فلا تك في رفعه أجدلا) في سورة الشعرا عند قوله تعالى (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) أي أنت الشهير: أي المشهور بخفض الجناح: أي بالتواضع. والأجدل: طير من الجوارح. ينهاه عن التكبر بعد التواضع، فإن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع يخفض جناحه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض الجناح عند الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب.
(فما عقبوا إن قيل هل من معقب * ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا) في سورة النمل عند قوله تعالى (فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى) يقال عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار كما قال: فما عقبوا، يوم الكريهة: يوم الحرب، قال الشاعر:
إن الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب يصف فرار قوم من المحاربة وهزيمتهم بحيث لا يرجعون بعد الفرار ولا ينزلون منزلا من الخوف كما قيل:
ففي الهيجاء ما جريت نفسي * ولكن في الهزيمة كالغزال (ألا إن خير الناس حيا وميتا * أسير ثقيف عندهم في السلاسل) في سورة القصص عند قوله تعالى (إن خير من استأجرت القوى الأمين) من حيث إن خبر إن في الآية أعرف من اسمها، فإن المعرف باللام أقوى في التعريف من المضاف، فإنهم قالوا: المضمر أعرف المعارف، لأن الشئ لا يضمر إلا وقد عرف، فلذا لا يوصف كسائر المعارف، ثم العلم لأنه موضوع على شئ بعينه لا يقع على غيره، ثم المبهم لأنه يعرف بالعين والقلب كقولك هذا للحاضر بين يديك، ثم المحلى باللام لأنه يعرف بالقلب لا غير، ثم

(1) قوله والآية العلم): أي في قوله تعالى " أتينون بكل ريع آية " فليعلم، كتبه مصححه.
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»
الفهرست