تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٨٩
ومصرعة: أي كثير المصارعة شديدها. فأربع: يقال أربع على نفسك: أي لا تجاوز قدرك. والفعال بفتح الفاء غالب في المكارم لكنه استعمل هنا لمجرد الفعل. يقول: يا من يظلم الناس، ويبغى في الأرض الظلم مصرعة لأهله، فلا تتجاوز قدرك واعدل فإن خير فعال المرء أعدله، فلو بغى جبل يوما على جبل لاندك من الباغي أعاليه وأسفله قال الشاعر: والبغي يصرع أهله * والظلم مرتعه وخيم (وإذا يجوزها حبال قبيلة) * أخذت من الأخرى إليك حبالا للأعشى. في سورة يونس عند قوله تعالى (وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر) قرأ الحسن وجوزنا، من أجاز المكان وجاوزه وجوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى، وإذا يجوزها الخ، لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال: وجوزنا بني إسرائيل في البحر كما قال: * كما جوز السكي في الباب فيتق * يقول: إذا أخذت لناقتي أمان قوم فجزتهم بها أخذت أمان قوم آخرين لأجوزها إليك: أي لا أزال راكبا عليها أقتحم المخاوف أؤمنا بالأمان إلى أن أصل إليك، وعادة العرب أنهم يستجيزون من قوم إلى قوم ليأمنوا من تجاريهم وشرهم.
(ما يقسم الله أقبل غير مبتئس * منه وأقعد كريما ناعم البال) في سورة هود عند قوله تعالى (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) أي فلا تحزن حزن بائس مستكين، والمعنى: فلا تحزن بما فعلوا من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام منهم، غير مبتئس: أي غير حزين. يقول: ارض (1) بما قسم الله ولا تحزن على ما فات، واقعد ناعم البال طيب القلب الكريما، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك: كما قيل:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة * أبدا وما هو كائن سيكون سيكون ما هو كائن في وقته * وأخو الجهالة متعب محزون (ويوم شهدناه سليما وعامرا * قليل سوى الطعن النهال نوافله) في سورة هود عند قوله تعالى (ذلك وعد غير مكذوب) أي مكذوب فيه، فاتسع في الظرف بحذف حرف الجر وإجرائه مجرى المفعول به كقولهم يوم مشهود، وقوله ويوم شهدناه الخ، أو على المجاز كأنه قيل للوعد نفى بك فإذا وفى به فقد صدق ولم يكذب، أو وعد غير كذب على أن المكذوب مصدر كالمجلود والمعسور. والمصدوقة بمعنى الصدق: يصف قتالا ومعركة، والرواية ويوم بواو رب، ويجوز النصب: أي أذكر يوما، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وشهد لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد وهنا تعدى إلى مفعولين، لأن الأول ظرف متسع فيه وسليما هو المفعول الثاني وأسقط في من اللفظ، ولو كانت الكناية ظرفا لوجب إظهار فيه فقيل شهدناه فيه، وعامرا عطف عليه، وقليل صفة يوم، والمنهال صفة الطعن وهو جمع نهل مثل جبل وجبال، ونهل جمع ناهل كطلب جمع طالب، والمناهل: الريان والعطشان ضد، والنهل أيضا الشرب الأول ونوافله فاعل قليل وهى عطية التطوع، ومنه البيت: أي رب يوم حضرنا هاتين القبيلتين فيه قل عطاء ذلك اليوم سوى الطعن بالرماح العطاش إلى دمائكم: يعنى رب يوم قاتلناهم فيه. وقد استشهد بالبيت المذكور في السورة المذكورة عند قوله تعالى

(1) قوله ارض الخ. هذا الحل لا يناسب البيت لأن الفعل فيه مضارع لا أمر، كتبه مصححه.
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»
الفهرست