تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٩٦
ثبت فإنه يجئ لازما ومتعديا، وأنشد لزهير: رأيت ذوي الحاجات الخ. والثاني أن مفعوله محذوف: أي تنبت زيتونها وفيه الزيت المراد بذوي الحاجات أولو المسكنة والفقر. قطينا: أي مقيما. يقول: رأيت ذوي الحاجات والمسكنة مقيمين حول بيوتهم يسألون منهم قضاء حوائجهم، حتى إذا أنبت البقل وظهر الخصب فحينئذ ينتجعون وينفضون من حولهم.
(كأن ذرى رأس المخيم غدوة * من السيل والغثاء فلكة مغزل) هو لامرئ القيس من قصيدته المشهورة التي يضرب بشهرتها المثل، فيقال: أشهر من قفا نبك. في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (فجعلناهم غثاء) شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلى واسود من الورق والعيدان، وقد جاء مشددا كما في البيت، ومعناه: أن يصف أن السيل والغثاء قد أحاط بهذا الجبل فهو كأنه يدور فلهذا شبهه بفلكة المغزل. الذرى: الأعالي الواحدة ذروة. ومن روى من السيل والإغثاء فقد أخطأ، لأن غثاء لا يجمع على أغثاء وإنما يجمع على أغثية. والمخيم: أكمة بعينها. والمغزل معروف والجمع مغازل. وفلكة مفتوحة الفاء.
(ألا فارحموني يا إله محمد * فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل) في سورة المؤمنين عند قوله تعالى (رب ارجعوني) وفى خطاب الجمع ثلاثة أوجه: أجودها أنه على سبيل التعظيم. الثاني أنه نادى ربه ثم خاطب الملائكة بقوله: ارجعون، ويجوز في هذا الوجه أن يكون على حذف المضاف: أي يا ملائكة ربى، فحذف المضاف ثم التفت إليه في عود الضمير كقوله (وكم من قرية أهلكناها) ثم قال (أو هم قائلون) التفاتا لأجل المحذوف. الثالث أن ذلك يدل على تكرر الفعل كأنه قال: ارجعون ارجعون ارجعون، قاله أبو البقاء، ومنه (ألقيا في جهنم) وأنشدوا: * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * ومن سنة العرب أن يقولوا للرجل العظيم والملك الكبير انظروا في أمرى، لأن السادة والملوك يقولون نحن فعلنا وإنا أمرنا، فعلى قضية هذا الابتداء يخاطبون في الجواب كما قال الله تعالى عمن حضره الموت (قال رب ارجعون) وقال تعالى (ثم نخرجكم طفلا) أي أطفالا، ومن سنن العرب الإتيان بالجمع يراد به الواحد كقوله (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) وإنما أراد المسجد الحرام، وقال (وإذ قتلتم نفسا) وكان القاتل واحدا، ومنه قوله تعالى (ويقول الإنسان أأذا ما مت لسوف أخرج حيا) على احتمال أن يراد بالإنسان الجنس بأسره. قال في الكشاف: إن قلت: لم جازت إرادة الأناسي كلهم وكلهم غير قائلين ذلك؟ قلت: لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو من جنسهم صح إسناده إلى جميعهم، ومنه قولهه بنو فلان قتلوا فلانا وإنما القاتل واحد منهم كما قال الفرزدق:
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به * نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد فأسند الضرب إلى بنى عبس مع قوله: نبا بيدي ورقاء وهو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي.
(أفرح أن أزرأ الكرام وأن * أورث ذودا شصائصا نبلا) في سورة الفرقان عند قوله تعالى (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) الظاهر أن الجملة من قوله - اكتتبها فهي تملى - من تتمة قول الكفار. وعن الحسن أنها من كلام الباري تعالى، وكان حق الكلام على هذا أن يقرأ اكتتبها بهمزة مقطوعة مفتوحة على الاستفهام كقوله (أفترى على الله كذبا أم به جنة) ويمكن أن يعتذر عنه بأن حذف الهمزة للعلم بها وعليه قول الشاعر: أفرح أن أرزأ الكرام الخ. يريد: ويلك أفرح، فحذف
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 ... » »»
الفهرست