لأنه لو كان للإثبات لم يكن بد من اللام والنون معا عند البصريين أو إحداهما عند الكوفيين، تقول: والله أحبك، تريد والله لا أحبك وهو من التورية، فإن كثيرا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة، والأوصال جمع وصل بكسر الواو وهو المفصل، والبيت لامرئ القيس من قصيدته اللامية المشهورة التي مطلعها:
* ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وقد تقدم عدة من أبياتها.
(فرع نبع يهش في غصن المجد * غزير الندى شديد المحال) في سورة الرعد عند قوله تعالى (وهو شديد المحال) أي المماحلة: وهى شدة المماكرة والمكايدة، ومنه تمحل لكذا: إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه. والفرع من كل شئ: أعلاه. والنبع: شجر يتخذ منه القسي.
والهش من كل شئ: ما فيه رخاوة، وهش إليه هشا: أي ضحك إليه. غزير الندى: أي كثير العطاء. وشديد المحال: أي شديد الكيد. أي هذا الممدوح في الصلابة فرع له نضارة في غصن المجد كثير الندى شديد العقوبة على الأعداء، جعله فرع نبع تنبيها على أنه مع صلابة عوده سيد قومه وأعلاهم نسبا وحسبا. وقوله في غصن المجد:
أي هو فرع النبع من بين أغصان المجد كما تقول: هو عالم في تميم وسيد في قومه، وهذا أبلغ من جعله داخلا في عدادها كقوله تعالى (في أصحاب الجنة).
(وإذا رميت به الفجاج رأيته * يهوى مخارمها هوى الأجدل) هو من أبيات الحماسة. في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقا ونزاعا، من قوله يهوى مخارمها الخ، وتعديته بإلى لتضمنه معنى الشوق والنزاع، والبيت لتأبط شرا: أي إذا رميت به الفجاج رأيته يصعد مسرعا أنوف الجبال. والمخارم جمع المخرم: وهو منقطع أنف الجبل.
والهوى بضم الهاء: هو القصد إلى الأعلى. يصف رجلا بالتشمير والشهامة، ويقول: إذا رميت به إلى وعور الجبال رأيته يسرع إليها ويطير نحوها شوقا ونزاعا كما يطير الأجدل وهو الصقر.
(وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها * إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى) في سورة الحجر عند قوله تعالى (لأزينن لهم في الأرض) حيث أراد لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض ولأوقعن تزييني فيها: أي لأزيننها في أعينهم ولأحدثنهم بأن الزينة في الدنيا وحدها حتى يستحبوها على الآخرة ويطمئنوا إليها دونها، ونحوه، يجرح في عراقيبها نصلى. الضمير في تعتذر يعود إلى الناقة. والمحل: الجدب وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ، والباء للسببية لا للظرف. وقوله من ذي ضروعها: يريد اللبن الذي يكون في الضرع، ويجرح جواب الشرط وفاعله نصلى. والنصل ههنا: السهم، وإيثار ذي ضروعها على اللبن دلالة على أن اعتذارها إنما يكون عند الجفاف الكلى، وهو كناية في أسلوب: جبان الكلب، مهزول الفصيل، كثير الرماد، ومن ذلك قول الأعشى.
وإياك والميتات لا تقربنها * ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا والعراقيب جمع عرقوب: وهو العصب الغليظ الموتر فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. ومعنى البيت: إذا اعتذرت الناقة إلى الضيف من قلة لبنها لسبب المحل بجرح نصلى في عراقيبها: أي أفصدها للضيف. وكان من عادة عرب البادية في الجاهلية إذا نزل بهم ضيف ولم يجدوا طعاما ولا لبنا في رحلهم أن