4 - وقال أبو مسلم بن بحر: (قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) يحتمل وجهين: أحدهما، أن يكون معناه صرتم خير أمة بأمركم بالمعروف، ونهيكم عن المنكر. والوجه الآخر أن يقدر هذا القول تابعا لقوله تعالى: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون 107)، فكأنه تعالى قال: ويقال لهم - عند مصيرهم إلى الرحمة والخلود في الجنة -: كنتم في دنياكم خير أمة أخرجت للناس، فاستحققتم الآن ما أنتم فيه من عظيم الرحمة ودوام النعمة، ويكون ما عرض بين أول القصة وتمامها، كما لا يزال يعرض في القرآن من نظائر ذلك وأمثاله).
فأقول: إن قوله في الوجه الأول: (معنى (كنتم خير أمة) اي صرتم خير أمة) ففيه بعد شديد عن سنن فصاحة اللسان العربي، وذلك أن (كان) بمعنى صار وإن استعملت [1] على بعض الوجوه، فليس بالفصيح الجيد ولا يحمل القرآن إلا على اللغة الفصحى والطريقة المثلى.
فأما الوجه الآخر الذي ذكره، ففيه فضل تعسف واستكراه وإن كان اصلح من الوجه الأول على كال حال.
5 - وقال بعضهم: إنما قال تعالى: (كنتم خير أمة) لما كان يسمع به من الخبر الكائن في هذه الأمة على سبيل البشارة بذلك قبل كون الأمة. وهذا المعنى يشبه قول من قال: إن معنى ذلك أنكم كنتم عند الله بهذه الصفة، أو في اللوح المحفوظ، أو في كتب الأنبياء