لا يجوز أن يراه أحد كثيرا، فلا بد من حمله على طريقة الظن لبعض الامارات، ويجوز أيضا أن يحمل على أنه تعالى أراهم بعض الملائكة معهم فكثروا عدتهم، والأول أقرب، لان الكلام على الفئتين، ولم يجر معهما ذكر للملائكة.
قال: (فان قيل فكيف يصح ما ذكرتم أولا مع قوله تعالى في السورة الأخرى: (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم... الآية)؟. أوليس ذلك يوجب انه تعالى قللهم في أعين المشركين، وهذا مع ذلك يتناقض؟! فالجواب: أن التقليل والتكثير يكونان بالإضافة، لا حد لهما يقفان عليه، ويفارق ذلك مثلي العدد، لأنه حد يقتضي أن يكون مثل المذكور مرتين (1)، فإذا صح ذلك لم يمتنع أن يري الله المشركين أن المسلمين مثلا ما هم عليه كما توجبه هذه الآية، ومع ذلك يرونهم قليلا بالإضافة إلى عددهم، لأنهم مع كونهم مثلي ما هم عليه أقل من عدد المشركين (2)، ويحتمل أيضا أن يريد بذلك القلة بمعنى الضعف لا بمعنى العدد، وإذا حمل على هذا الوجه زال التناقض.
هذا على التأويل الذي ذكرناه، فأما إذا حمل قوله تعالى. (يرونهم مثليهم) على أن الرائين هم المسلمون، والمرئيين هم المشركون، فالمسألة زائلة.