وقال ابن قتيبة: " إنما يمنع من قبول قول الصادق فيما وافق نحلته وشاكل هواه أن نفسه تريه أن الحق فيما اعتقده وأن القربة إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه. ولا يؤمن مع ذلك التحريف والزيادة والنقص ".
ويناقش كل منهما بما يلي:
(1) إن جمهور الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط.
(2) إن وقع الكذب لصالح العقيدة أو التحريف أو الزيادة أو النقص من قبل بعض أهل الأهواء، فهذا لا يكفي لاتهام الجميع بذلك فقد وجد مثل ذلك بين أهل السنة أيضا حتى في أهل المذاهب لتأييد مذاهبهم فهل هذا يستلزم أن يرد كل ما يرويه الحنفي أو الشافعي مثلا وفيه تأييد لمذهبه. ومن ثبت عنه تعمد ذلك لم تثبت له العدالة أصلا فترد جميع مروياته.
(3) إن أئمة الحديث يشترطون في قبول رواية أي رجل أن يكون عدلا ضابطا. والعدالة هي الملكة في النفس تمنع الناس من اقتراف الكبائر ومنها الكذب مع السلامة من خوارم المروءة فإذا ثبتت هذه الملكة في رجل ما بشهادة أئمة الحديث والنقد الذين هم عليهم مدار الجرح والتعديل فوجب قبول روايته ولا وجه للفرق بين ما يقوي بدعته وما لا يقويها فإن العدل عدل في الكل. فإن كان هناك شك في عدالته وجب أن ترد جميع مروياته بدون تفريق بين بعضها دون بعض. ولو كان الأمر كما قالا لما صح أن يروي أحد ما يؤيد رأيه ومذهبه سواء كان من أهل السنة أو المبتدعة.
فالخلاصة أن المدار في قبول الراوي هو العدالة والضبط بغض النظر عن عقيدته أو مبدئه - إلا إذا خرج من الإسلام - وعلى هذا جرى عمل كثير من العلماء قديما وحديثا. ولعل الأئمة الذين نهوا عن الأخذ عن المبتدعة إنما نهوا للمصلحة لأن في الرواية عنهم رفعا لشأنهم وتقديرا لهم ولا شك أن له ضررا كبيرا على العامة لا سيما إذا كان الرجل من الدعاة.