ورأي، غير أني حين تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني رأيي وتصرف بي هواي، وصرح إلى محض أمري، فأفضي بي جد لا يزرق به لعب، وصدق لا يشوبه كذب، وجدتك أي بني من بعضي، بل وجدتك من كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما عناني من نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا إن أنا بقيت أو فنيت، وإني أوصيك يا بني بتقوى الله ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبه، فهو أوثق السبب بينك وبينه، يا بني! أحي قلبك بالموعظة، وموته بالزهد، وقوه باليقين، وذلله بذكر الموت، وأكثره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام، وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره ما أصاب من كان قبلك، وسر في ديارهم، واعتبر بآثارهم، وانظر ما فعلوا، وعمن انتقلوا، وأين حلوا، فإنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة، وحلوا دار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك واحرز آخرتك، ودع القول فيما لا تعرف، ولدخول فيما لا تكلف، وأمسك عن السير إذا خفت ضلالة، فان الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله،
(١٦٨)