وبذلك تكون السنة قد انضوت تحت هذا الوعد الكريم بالحفظ والصيانة، فعرفت في المسلمين علوم كثيرة، كان محورها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبيلها تعديل أهل الحق والاستقامة وتجريح أصحاب الفسق والضلالة.
قام بهذا العمل الجليل خلق كثير اختارهم الله وقيضهم له، فلم يخل منهم عصر من عصور هذه الأمة، فما توانوا ولا قصروا ولا ضعفوا ولا استكانوا، فكانوا من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وصاحب كتابنا: " الغرر المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة " أحد هؤلاء الذين عاهدوا الله على الذود عن حياض السنة النبوية. فوفى بما عاهد الله عليه. فرحم الله الحافظ أبا الحسن رشيد الدين العطار:
فكأني به وقد أطلعه الله على مغيبات المستقبل فسمع تخرصات المتخرصين وأباطيل المبطلين ودسائس أعداء هذه السنة - الذين أرادوا أن يشككوا في أصح الكتب بعد كتاب الله: صحيحي البخاري ومسلم - فأعد لهم قوسه وجرد سيفه ورمي بسهام نبله في نحورهم فأسكت ألسنتهم قبل أن يتكلموا، وأفحم حججهم قبل أن يبرهنوا وأصاب منهم المقتل قبل أن يولدوا.
إن هذا العمل ليعتبر بحق صخرة صلبة تقام حاجزا أمام من أراد النيل أو التلبيس على أحد هذين الكتابين الصحيحين.
امتاز الصحيحان على غيرهما من كتب الحديث بمزايا عديدة وإختصا دونها بخصائص جليلة أهلتهما أن يكونا في المرتبة الأولى من كتب الحديث بلا مدافع.
واتفقت كلمة الحفاظ من أهل هذا الفن على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى كتابا البخاري ومسلم، رحمة الله عليهما، وتلقتهما الأمة بالقبول، واعتنى بهما العلماء، فكم من شارح لهما أو لأحدهما، وكم من مختصر، وكم من معلق أو مستدرك أو مستخرج عليهما أو على أحدهما. حتى لا تكاد تحصى المصنفات حول هذين الكتابين الجليلين.
ومن الجوانب المتعلقة بالصحيحين التي اهتم بها العلماء المعلقات فيهما - والمعلق في اصطلاح المحدثين هو ما حذف أول سنده، سواء كان المحذوف واحدا أو أكثر على التوالي، ولو إلى آخر السند -.