على من له أنس بعلم الرواية أن مسلما - رحمه الله - إنما احتج بما في هذه الأحاديث وما شاكلها من المسند دون المرسل. وإنما أوردها بما فيها من المرسل جريا على عادته في ترك الاختصار ". وذهب القاضي عياض إلى أن مذهب مسلم جاز اختصار الحديث مطلقا حيث قال: " اختلف المحدثون والفقهاء والأصوليون في اختصار الحديث والتحديث به على المعنى، وفي الحديث بفصل منه دون كماله.
فأجاز هذا كله على الجملة قوم، وهو مذهب مسلم بن الحجاج ومنعه على الجملة كآخرون وهو تحري البخاري ".
وفي هذا الكلام نظر. فإن رشيد الدين استقرأ عددا من أحاديث مسلم التي يتعين اختصارها - حتى تكون من شرطه فلم يختصرها احتراما لمنهجه في عدم اختصار الحديث إلا لضرورة، وهو إذا اختصر نبه على ذلك.
ساق الحافظ رشيد الدين حديث سعيد بن المسيب - في النهي عن المزابنة... الذي أخرجه مسلم في البيوع وهو حديث يشتمل على ثلاثة أحاديث اثنان مرسلان والثالث متصل ثم عقب عليه بقوله: " قلت هكذا أورده مسلم - رحمه الله - في كتابه، فإن قيل: كيف اختار إخراج المراسيل في صحيحه وليست من شرطه ولا داخلة في رسمه؟ فالجواب أن مسلما - رحمه الله - من عادته أن يورد الحديث كما سمعه، وكان هذا الحديث عنده عن محمد بن رافع على هذه الصفة، فأورده كما سمعه منه، ولم يحتج بالمرسل الذي فيه، وإنما احتج بما في آخره من المسند، وهو حديث سالم عن عبد الله عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخص بعد ذلك في بيع العرية... الحديث، فهذا القدر الذي احتج به مسلم منه ".