شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٦٦
ديباجة شعر، وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتا، كان شعره كلام ليس بتكلف، والمنطق على المتكلم أوسع منه على الشاعر، لان الشاعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي، والمتكلم مطلق، يتخير الكلام كيف شاء، قالوا والنابغة نبغ بالشعر بعد أن احتنك، وهلك قبل أن يهتر.
قلت: وكان أبو جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد العلوي البصري يفضل النابغة، واستقرأني يوما وبيدي ديوان النابغة قصيدته التي يمدح بها النعمان بن المنذر، ويذكر مرضه، ويعتذر إليه مما كان اتهم به، وقذفه به أعداؤه، وأولها:
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا * وهمين: هما مستكنا وظاهرا (1) أحاديث نفس تشتكي ما يريبها * وورد هموم لو يجدن مصادرا تكلفني أن يغفل الدهر همها * وهل وجدت قبلي على الدهر ناصرا!
يقول هذه النفس تكلفني إلا يحدث لها الدهر هما ولا حزنا، وذلك مما لم يستطعه أحد قبلي.
ألم تر خير الناس أصبح نعشه * على فتية قد جاوز الحي سائرا!
كان الملك منهم إذا مرض حمل على نعش وطيف به على أكتاف الرجال بين الحيرة والخورنق والنجف، ينزهونه.
ونحن لديه نسأل الله خلده * يرد لنا ملكا وللأرض عامرا (2) ونحن نرجى الخير إن فاز قدحنا * ونرهب قدح الدهر إن جاء قامرا لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا * وأصبح جد الناس بعدك عاثرا وردت مطايا الراغبين وعريت * جيادك لا يحفى لها الدهر حافرا

(1) ديوانه 39 - 42. والجمومان: موضع.
(2) الخلد: البقاء.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست