شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٤٢
بن العاص فيهم، فقال: ويحكم يا بنى أمية! أفيكم من يكفيني ابن الزبير؟ فقال عمرو: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين، قال: ما أظنك تفعل؟ قال: بلى والله لأربدن وجهه (1)، ولأخرسن لسانه، ولأردنه ألين من خميلة (2).
فقال: دونك، فأعرض له إذا دخل، فدخل ابن الزبير - وكان قد بلغه كلام معاوية وعمرو - فجلس نصب عيني عمرو، فتحدثوا ساعة ثم قال عمرو:
وإني لنار ما يطاق اصطلاؤها * لدى كلام معضل متفاقم (3) فأطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه وقال:
وإني لبحر ما يسامي عبابه * متى يلق بحري حر نارك يخمد.
فقال عمرو: والله يا بن الزبير إنك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنة، متأزر بوصائل (4) التيه، تتعاطى الذرا الشاهقة، والمعالي الباسقة، وما أنت من قريش في لباب جوهرها ولا مؤنق حسبها (5)!
فقال ابن الزبير: أما ما ذكرت من تعاطى الذرا فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله: أنف حمى، وقلب ذكى، وصارم مشرفي، في تليد فارع (6)، وطريف مانع، إذ قعد بك انتفاخ سحرك (7)، ووجيب قلبك (8). وأما ما ذكرت من أنى لست من قريش في لباب جوهرها، ومؤنق حسبها، فقد حضرتني وإياك الأكفاء العالمون بي وبك، فاجعلهم بيني وبينك.

(1) أي لأصيرنه أربد، والربدة: لون إلى الغبرة.
(2) الخميلة: القطيفة.
(3) تفاقم الامر، إذا عظم.
(4) الوصائل: جمع وصيلة، وهي ثوب مخطط يمان.
(5) آنقني الشئ إيناقا، أعجبني فهو مؤنق.
(6) فارع: عال.
(7) السحر: الرئة، ويقال: انتفخ سحره، أي عدا طوره.
(8) وجيب القلب: خفقانه واضطرابه.
(١٤٢)
مفاتيح البحث: بنو أمية (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست