شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٩
هم دفعوا الدنيا على حين أعرضت * كراما وسنوا للكرام التأسيا.
وروى أبو العباس في الكامل إن عروة لما صلب عبد الله جاء إلى عبد الملك فوقف ببابه، وقال للحاجب: أعلم أمير المؤمنين إن أبا عبد الله بالباب، فدخل الحاجب فقال: رجل يقول قولا عظيما. قال: وما هو؟ فتهيب، فقال: قل. قال: رجل يقول:
قل لأمير المؤمنين: أبو عبد الله بالباب، فقال عبد الملك: قل لعروة يدخل، فدخل فقال: تأمر بإنزال جيفة أبى بكر فإن النساء يجزعن، فأمر بإنزاله. قال: وقد كان كتب الحجاج إلى عبد الملك يقول: إن خزائن عبد الله عند عروة، فمره فليسلمها، فدفع عبد الملك إلى عروة، وظن أنه يتغير، فلم يحفل بذلك كأنه ما قرأه، فكتب عبد الملك إلى الحجاج ألا يعرض لعروة. ومن الكلام المشهور في بخل عبد الله بن الزبير الكلام الذي يحكى أن أعرابيا (1) أتاه يستحمله، فقال: قد نقب خف راحلتي فاحملني (2) إني قطعت الهواجر إليك عليها، فقال له: ارقعها بسبت، واخصفها بهلب، وانجد بها، وسر بها البردين (3) فقال: إنما أتيتك مستحملا، لم آتك مستوصفا، لعن الله ناقة حملتني إليك، قال:
إن وراكبها (4).

(1) الخبر في الأغاني 1: 15، 16.
(2) الأغاني: (نفدت نفقتي، ونقبت راحلتي). ونقب البعير، إذا رقت أخفافه.
(3) السبت: جلود البقر المدبوغة بالقرظ تحذى منها النعال السبتية. والخصف: أن يظاهر الجلدين بعضهما إلى بعض ويخرزهما. والهلب: شعر الخنزير الذي يخرز به، الوحد هلبة، وأنجد، إذا دخل بلاد نجد، وهو موصوف بالبرد. والبردان: الغداة والعشي.
(4) في الأغاني عن اليزيدي: (أن) ها هنا بمعنى نعم، كأنه إقرار بما قال، ومثله قول ابن قيس الرقيات:
ويقلن شيب قد علاك * وقد كبرت، فقلت إنه.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست