شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٤١
فسكت ابن الزبير.
قدم عبد الله بن الزبير على معاوية وافدا، فرحب به وأدناه حتى أجلسه على سريره، ثم قال: حاجتك أبا خبيب! فسأله أشياء، ثم قال له: سل غير ما سألت، قال: نعم، المهاجرون والأنصار ترد عليهم فيئهم، وتحفظ وصية نبي الله فيهم، تقبل من محسنهم، وتتجاوز عن مسيئهم.
فقال معاوية: هيهات هيهات، لا والله ما تأمن النعجة الذئب وقد أكل أليتها (1).
فقال ابن الزبير: مهلا يا معاوية، فإن الشاة لتدر للحالب وإن المدية في يده، وإن الرجل الأريب ليصانع ولده الذي خرج من صلبه، وما تدور الرحى إلا بقطبها، ولا تصلح القوس إلا بمعجسها (2).
فقال: يا أبا خبيب، لقد أجررت الطروقة قبل هباب الفحل (3) هيهات، وهي لا تصطك لحبائها اصطكاك القروم السوامي (4).
فقال ابن الزبير: العطن بعد العل، والعل بعد النهل، ولا بد للرحاء من الثفال (5) ثم نهض ابن الزبير.
فلما كان العشاء أخذت قريش مجالسها، وخرج معاوية على بنى أمية فوجد عمرو

(1) الألية: ما ركب في العظم من شحم ولحم.
(2) المعجس: المقبض.
(3) ناقة طروقة الفحل: بلغت أن يضربها الفحل. وأجره رسنه: جعله يجره. وهب الفحل من الإبل وغيرها هبابا وهبيبا، أراد السفاد.
(4) تصطك: تضطرب. والقروم جمع قرم، وهو الفحل والسوامي: جمع سام، وصف من سما الفحل سماوة: تطاول إلى الناقة التي تشول بذنبها رغبة اللقاح.
(5) العطن: مبرك الإبل حول الحوض. والعل والعلل: الشرب الثاني، والنهل: الشرب الأول.
والثفال: جلد أو نحوه يبسط تحت الرحى ليقع عليه الطحين.
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست