شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٠
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بنى أسد بن خزيمة، استقبل بي وجه ابن الزبير، وأرفع من صدري، وكان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير، وأقام قامته فحسر عن ذراعيه، ثم قال: يا بن الزبير قد أنصف القارة من راماها (1) * إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها * حتى تصير حرضا دعواها (2) يا بن الزبير، أما العمى فإن الله تعالى يقول: (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (3)، وأما فتياي في القملة والنملة، فإن فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك، وأما حملي المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا، وأما المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردى عوسجة. وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك، فانطلق أبوك خالك إلى حجاب مده الله عليها، فهتكاه عنها، ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسهما إن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما. وأما قتالنا إياكم فإنا لقينا زحفا، فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا، وأيم الله لولا مكان صفية فيكم، ومكان خديجة فينا، لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته.
فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردى عوسجة، فقالت ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم! فإنهم كعم (4) الجواب إذا بدهوا، فقال: بلى، وعصيتك.

(1) في اللسان: القارة: قوم رماة من العرب، وفى المصل: (قد أنصف القارة من راماها).
(2) الحرض: الفساد في الذهن والعقل والبدن.
(3) سورة الحج آية 46.
(4) كعم البعير: شد فاه لئلا يعض أو يأكل، والكعام - ككتاب -: ما يجعل على فمه، والجمع كعم، والمعنى أنهم ذوو أجوبة مسكتة مخرسة تلجم أفواه مناظريهم.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست