شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٥
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية، فقال: اسمع أبياتا قلتها عاتبتك، فيها قال:
هات، فأنشده:
لعمري ما أدرى وإني لأوجل * على أينا تعدو المنية أول وإني أخوك الدائم العهد لم أزل * إن أعياك خصم أو نبا بك منزل أحارب من حاربت من ذي عداوة * واحبس يوما إن حبست فاعقل وإن سؤتني يوما صفحت إلى غد * ليعقب يوم منك آخر مقبل ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني * يمينك فانظر أي كف تبدل إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته * على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حد السيف من أن تضيمه * إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل وكنت إذا ما صاحب مل صحبتي * وبدل شرا بالذي كنت أفعل قلبت له ظهر المجن ولم أقم * على الضيم إلا ريثما أتحول وفي الناس إن رثت حبالك واصل * وفي الأرض عن دار القلى متحول إذا انصرفت نفسي عن الشئ لم تكد * إليه بوجه آخر الدهر تقبل.
فقال معاوية: لقد شعرت بعدي يا أبا خبيب، وبينما هما في ذلك دخل معن بن أوس المزني، فقال له معاوية: إيه! هل أحدثت بعدنا شيئا؟ قال: نعم، قال قل، فأنشد هذه الأبيات، فعجب معاوية وقال لابن الزبير: ألم تنشدها لنفسك آنفا، فقال: أنا سويت المعاني، وهو ألف الألفاظ ونظمها، وهو بعد ظئري (1)، فما قال من شئ فهو لي - وكان ابن الزبير مسترضعا في مزينة - فقال معاوية: وكذبا يا أبا خبيب!
فقام عبد الله فخرج.

(1) يقال: هي ظئره، وهو ظئره، وهم وهن أظآره، أي أخواته من الرضاعة.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست