شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٤
ابن مسور بن مخرمة الزهري، وناشده الله أن يؤخرهم إلى يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة دعا محمد بن الحنفية بغسول وثياب بيض، فاغتسل وتلبس وتحنط، لا يشك في القتل، وقد بعث المختار بن أبي عبيد من الكوفة أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف، فلما نزلوا ذات عرق، تعجل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكة صبيحة الجمعة ينادون: يا محمد، يا محمد! وقد شهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم، فاستخلصوا محمد بن الحنفية ومن كان معه، وبعث محمد بن الحنفية الحسن بن الحسن ينادى: من كان يرى إن الله عليه حقا فليشم سيفه، فلا حاجة لي بأمر الناس، إن أعطيتها عفوا قبلتها، وإن كرهوا لم نبتزهم (1) أمرهم.
وفى شعب عارم وحصار ابن الحنفية فيه يقول كثير بن عبد الرحمن:
ومن ير هذا الشيخ بالخيف من منى * من الناس يعلم إنه غير ظالم سمى النبي المصطفى وابن عمه * وحمال أثقال وفكاك غارم تخبر من لاقيت إنك عائذ * بل العائذ المحبوس في سجن عارم.
وروى المدائني، قال: لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان، فنزل فصلى ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم إنك تعلم إنه لم يكن بلد أحب إلى من أن أعبدك فيه من البلد الحرام، وإنني لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه، وإن ابن الزبير أخرجني منه، ليكون الأقوى في سلطانه. اللهم فأوهن كيده، واجعل دائرة السوء عليه: فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها، فقالوا:
مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه! أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك، هذه منازلنا تخيرها، فأنزل منها حيث أحببت، فنزل منزلا، فكان

(1) لم نبتزهم أمرهم: لم تسلبه منهم عفوا.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست