شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٢
تتحرك فعلم إنه يريد أن ينطق، ثم نطق فقال: إن ناسا يزعمون أن بيعة أبى بكر كانت غلطا وفلتة ومغالبة، ألا إن شأن أبى بكر أعظم من أن يقال فيه هذا، ويزعمون إنه لولا ما وقع لكان الامر لهم وفيهم، والله ما كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أحد أثبت أيمانا، ولا أعظم سابقة من أبى بكر، فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله!
فأين هم حين عقد أبو بكر لعمر، فلم يكن إلا ما قال، ثم ألقى عمر حظهم في حظوظ، وجدهم في جدود، فقسمت تلك الحظوظ، فأخر الله سهمهم، وأدحض جدهم، وولى الامر عليهم من كان أحق به منهم، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا من القرية، فأصابوا منه غرة فقتلوه، ثم قتلوهم الله به قتله، وصاروا مطرودين تحت بطون الكواكب.
فقال ابن عباس: على رسلك (1) أيها القائل في أبى بكر وعمر والخلافة، أما والله ما نالا ولا نال أحد منهما شيئا إلا وصاحبنا خير ممن نالا، وما أنكرنا تقدم من تقدم لعيب عبناه عليه، ولو تقدم صاحبنا لكان أهلا وفوق الأهل، ولولا إنك إنما تذكر حظ غيرك وشرف امرئ سواك لكلمتك، ولكن وما أنت وما لاحظ لك فيه! اقتصر على حظك، ودع تيما لتيم، وعديا لعدي، وأمية لأمية، ولو كلمني تيمي أو عدوى أو أموي لكلمته وأخبرته خبر حاضر عن حاضر، لا خبر غائب عن غائب، ولكن ما أنت، وما ليس عليك! فإن يكن في أسد بن عبد العزى شئ فهو لك، أما والله لنحن أقرب بك عهدا، وأبيض عندك يدا، وأوفر عندك نعمة ممن أمسيت، تظن إنك تصول به علينا، وما أخلق ثوب صفية بعد! والله المستعان على ما تصفون.

(1) الرسل: الرفق والتؤدة.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست