أوصى معاوية يزيد ابنه لما عقد له الخلافة بعده، فقال: إني لا أخاف عليك إلا ممن أوصيك بحفظ قرابته ورعاية حق رحمة، من القلوب إليه مائلة، والأهواء نحوه جانحة، والأعين إليه طامحة، وهو الحسين بن علي، فاقسم له نصيبا من حلمك، واخصصه بقسط وافر من مالك، ومتعه بروح الحياة، وأبلغ له كل ما أحب في أيامك، فأما من عداه فثلاثة: وهم عبد الله بن عمر رجل قد وقذته العبادة، فليس يريد الدنيا إلا أن تجيئه طائعة لا تراق فيها محجمة دم، وعبد الرحمن بن أبي بكر، رجل هقل (1) لا يحمل ثقلا، ولا يستطيع نهوضا، وليس بذي همة ولا شرف ولا أعوان، وعبد الله بن الزبير وهو الذئب الماكر، والثعلب الخاتر، فوجه إليه جدك وعزمك ونكيرك ومكرك، واصرف إليه سطوتك، ولا تثق إليه في حال، فإنه كالثعلب، راغ بالختل عند الإرهاق، والليث صال بالجراءة عند الاطلاق، وأما ما بعد هؤلاء فإني قد وطأت لك الأمم، وذللت لك أعناق المنابر، وكفيتك من قرب منك، ومن بعد عنك:
فكن للناس كما كان أبوك لهم يكونوا لك كما كانوا لأبيك.
خطب عبد الله بن الزبير أيام يزيد بن معاوية فقال في خطبته: يزيد القرود، يزيد الفهود، يزيد الخمور، يزيد الفجور! أما والله لقد بلغني إنه لا يزال مخمورا يخطب الناس وهو طافح في سكره. فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فما أمسى ليلته حتى جهز جيش الحرة، وهو عشرون ألفا، وجلس والشموع بين يديه، وعليه ثياب معصفرة، والجنود تعرض عليه ليلا، فلما أصبح خرج فأبصر الجيش، ورأي تعبيته فقال:
أبلغ أبا بكر إذا الجيش انبرى * وأخذ القوم على وادي القرى