إلى هنا انتهى خبر أبي العيناء عن ابن عائشة. وأما عروة عن عائشة فزاد بعد هذا: حتى إذا أختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت حسيكة النفاق وشمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الآفكين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ولقربه متلاحظين. ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب (١) والجرح لما يندمل إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة ﴿ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ (2) فهيهات! وأنى بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم زواجره بينة وشواهده لائحة وأوامره واضحة. أرغبة عنه تريدون أم لغيره تحكمون. بئس للظالمين بدلا! ومن يتبع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تسرون حسوا في ارتغاء ونحن نصبر منكم على مثل حز المدى وأنتم الان تزعمون أن لا أرث لنا (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (3)).
يا بن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبى لقد جئت شيئا فريا! فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون! ثم انكفأت إلى قبر أبيها عليه السلام فقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو * كنت شاهدها لم تكثر الخطب إذا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب.
وروى حرمي بن أبي العلاء مع هذين البيتين بيتا ثالثا:
فليت بعدك كان الموت صادفنا * لما قضيت وحالت دونك الكتب