استعداد. واستقرأني أبو الفرج محمد بن عباد رحمه الله وأنا يومئذ حدث هذه الوصية فقرأتها عليه من حفظي، فلما وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة، وسقط - وكان جبارا قاسي القلب.
[أقوال حكيمة في وصف الدنيا وفناء الخلق] واعلم أنا قدمنا في وصف الدنيا والفناء والموت من محاسن كلام الصالحين والحكماء ما فيه الشفاء، ونذكر الان أشياء أخر.
فمن كلام الحسن البصري: يا بن آدم إنما أنت أيام مجموعة، فإذا مضى يوم مضى بعضك.
عن بعض الحكماء: رحم الله امرأ لا يغره ما يرى من كثرة الناس، فإنه يموت وحده، ويقبر وحده، ويحاسب وحده.
وقال بعضهم: لا وجه لمقاساة الهموم لأجل الدنيا ولا الاعتداد بشئ من متاعها، ولا التخلي منها، أما ترك الاهتمام لها، فمن جهة أنه لا سبيل إلى دفع الكائن من مقدورها، وأما ترك الاعتداد بها، فإن مرجع كل أحد إلى تركها، وأما ترك التخلي عنها فإن الآخرة لا تدرك إلا بها.
ومن كلام بعض الحكماء: أفضل اختيار الانسان ما توجه به إلى الآخرة، وأعرض به عن الدنيا، وقد تقدمت الحجة وأذنا بالرحيل، ولنا من الدنيا على الدنيا دليل، وإنما أحدنا في مدة بقائه صريع لمرض، أو مكتئب بهم، أو مطروق بمصيبة، أو مترقب لمخوف، لا يأمن المرء أصناف لذته من المطعوم والمشروب أن يكون موته فيه، ولا يأمن مملوكه