ورث العلم والفضل وإلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول فليس بشئ يعول عليه لأنه لا يمتنع أن يريد به أنه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا المعنى من الاستدلال فليس يجب إذا دلت الدلالة في بعض الألفاظ على معنى المجاز أن يقتصر (1) بها عليه بل يجب أن يحملها على الحقيقة التي هي الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع على أنه لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصة ثم يقول مع ذلك: (إنا علمنا منطق الطير) ويشير (الفضل المبين) إلى العلم والمال جميعا فله بالامرين جميعا فضل على من لم يكن عليهما وقوله: (وأوتينا من كل شئ) يحتمل المال كما يحتمل العلم فليس بخالص ما ظنه.
فأما قوله في قصة زكريا: إنه خاف على العلم أن يندرس لان الأنبياء وإن كانوا لا يحرصون على الأموال وأنما خاف أن يضيع العلم فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه فقد بينا أن الأنبياء وإن كانوا لا يحرصون على الأموال ولا يبخلون بها فإنهم يجتهدون في منع المفسدين من الانتفاع بها على الفساد ولا يعد ذلك بخلا ولا حرصا (2) بل فضلا ودينا وليس يجوز من زكريا أن يخاف على العلم الاندراس والضياع لأنه يعلم أن حكمة الله تعالى تقتضي حفظ العلم الذي هو الحجة على العباد وبه تنزاح عللهم في مصالحهم فكيف يخاف مالا يخاف من مثله!
فإن قيل: فهبوا أن الامر كما ذكرتم من أن زكريا كان يأمن على العلم أن يندرس أليس لابد أن يكون مجوزا أن (3) يحفظه الله تعالى بمن هو من أهله وأقاربه كما يجوز حفظه بغريب أجنبي! فما أنكرتم أن يكون خوفه إنما كان من بنى عمه ألا يتعلموا العلم ولا يقوموا فيه مقامه فسأل الله ولدا يجمع فيه هذه العلوم حتى لا يخرج العلم عن بيته ويتعدى إلى غير قومه فيلحقه بذلك وصمة!