حتى دخلت على أبى بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت (1) دونها ملاءة ثم أنت أنه أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قالت: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (2)) فإن تعزوه تجدوه أبى دون آبائكم وأخا أبن عمى دون رجالكم فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة (3) مائلا عن سنن المشركين ضاربا ثبجهم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة آخذا بأكظام (4) المشركين يهشم الأصنام ويفلق الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى (5) الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقائق الشياطين وتمت كلمة الاخلاص وكنتم على شفا حفرة من النار نهزة الطامع ومذقة الشارب وقبسة العجلان وموطأ الاقدام تشربون الطرق (6) وتقتاتون القد. أذلة خاسئين يختطفكم الناس من حولكم حتى أنقذكم الله برسوله صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي وبعد أن منى بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب و (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله (7)) أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة (8) قذف أخاه في لهواتها. ولا ينكفي (9) حتى يطأ صماخها بأخمصه ويطفئ عادية لهبها بسيفه - أو قالت: يخمد لهبها بحده - مكدودا في ذات الله وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون.
(٢٥٠)