قلنا: أما إذا رتب السؤال هذا الترتيب فالجواب عنه ما أجبنا به صاحب الكتاب وهو أن الخوف الذي أشاروا إليه ليس من ضرر ديني وإنما هو من ضرر دنياوي والأنبياء إنما بعثوا لتحمل المضار الدنياوية ومنازلهم في الثواب إنما زادت على كل المنازل لهذا الوجه ومن كانت حاله هذه الحال فالظاهر من خوفه إذا لم يعلم وجهه بعينه أن يكون محمولا على مضار الدين لأنها هي جهة خوفهم والغرض في بعثهم تحمل ما سواها من المضار فإذا قال النبي صلى الله عليه: (أنا خائف) فلم يعلم جهة خوفه على التفصيل يجب أن يصرف خوفه بالظاهر إلى مضار الدين دون الدنيا لان أحوالهم وبعثهم (1) يقتضى ذلك فإذا كنا لو اعتدنا من بعضنا الزهد في الدنيا وأسبابها والتعفف عن منافعها والرغبة في الآخرة والتفرد (2) بالعمل لها لكنا نحمل على ما يظهر لنا من خوفه الذي لا يعلم وجهه بعينه على ما هو أشبه وأليق بحاله ونضيفه إلى الآخرة دون الدنيا وإذا كان هذا واجبا فيمن ذكرناه فهو في الأنبياء عليه السلام أوجب (3).
* * * قلت: ينبغي ألا يقول المعترض: فيلحقه بذلك وصمة فيجعل الخوف من هذه الوصمة بل يقول: إنه خاف ألا يفلح بنو عمه ولا يتعلموا العلم لما رأى من الامارات الدالة على ذلك فالخوف على هذا الترتيب يتعلق بأمر ديني لا دنيوي فسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا يرث عنه علمه أي يكون عالما بالدينيات كما أنا عالم بها وهذا السؤال متعلق بأمر ديني لا دنيوي. وعلى هذا يندفع ما ذكره المرتضى على أنه لا يجوز إطلاق القول بأن الأنبياء بعثوا لتحمل المضار الدنياوية ولا القول: الغرض في بعثتهم تحمل ما سوى المضار الدينية من المضار فإنهم ما بعثوا لذلك ولا الغرض في بعثتهم ذلك وإنما بعثوا لأمر آخر. وقد تحصل المضار في أداء الشرع ضمنا وتبعا لا على أنها الغرض ولا داخلة