توجب الخلافة، ولا فضيلة تصير إلى التقدمة، إلا وهي مجموعه له، كان أول الناس سلما وأكثرهم علما، وأرجحهم حلما، فأت الجياد فلا يشق غباره، يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره، وسلك القصد فلا تدرس آثاره، فلما ابتلانا الله تعالى بافتقاده، وحول الامر إلى من يشاء من عباده، دخلنا في جمله المسلمين فلم ننزع يدا عن طاعة، ولم نصدع صفاه جماعه، على أن لك منا ما ظهر، وقلوبنا بيد الله وهو أملك بها منك، فاقبل صفونا، وأعرض عن كدرنا، ولا تثر كوامن الأحقاد، فإن النار تقدح بالزناد. قال معاوية: وإنك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق أهل النفاق، ومعدن الشقاق! فقال: يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق وحبسوك في المضيق، وذادوك عن سنن الطريق، حتى لذت منهم بالمصاحف، ودعوت إليها من صدق بها وكذبت، وآمن بمنزلها وكفرت، وعرف من تأويلها ما أنكرت. فغضب معاوية وأدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر ونفر قليل من اليمن، فقال أيها الشقي الخائن، أنى لأخال أن هذا آخر كلام تفوه به - وكان عفير (1) بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ - فعرف موقف الطائي ومراد معاوية، فخافه عليه، فهجم عليهم الدار، وأقبل على اليمانية، فقال، شاهت الوجوه ذلا وقلا، وجدعا وفلا، كشم الله هذه الانف كشما (2) مرعبا. ثم التفت إلى معاوية، فقال: إني والله يا معاوية ما أقول قولي هذا حبا لأهل العراق، ولا جنوحا إليهم، ولكن الحفيظة تذهب الغضب لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا ربيعة يعنى - صعصعة بن صوحان وهو أعظم جرما عندك من هذا، وأنكأ (3) لقلبك، وأقدح في صفاتك، وأجد في عداوتك، وأشد انتصارا في حربك، ثم أثبته وسرحته، وأنت الان مجمع على قتل هذا - زعمت - استصغارا لجماعتنا! فإنا لا نمر ولا نحلي ولعمري لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدك العاثر، وذكرك الداثر
(١٣٠)