ومن أين أنه ورثه الأموال مع تجويز أن يكون ورثه العلم والحكمة؟ فإن قالوا: إطلاق الميراث لا يكون إلا في الأموال قيل لهم: إن كتاب الله يبطل قولكم لأنه قال: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ (١) والكتاب ليس بمال ويقال في اللغة:
ما ورثت الأبناء عن الاباء شيئا أفضل من أدب حسن وقالوا: العلماء ورثة الأنبياء وإنما ورثوا منهم العلم دون المال على أن في آخر الآية ما يدل على ما قلناه وهو قوله تعالى حاكيا عنه: ﴿وقال يا أيها الناس علمنا أمنطق الطير وأوتينا من كل شئ أن هذا لهو الفضل المبين﴾ (٢) فنبه على أن الذي ورث هو هذا العلم وهذا الفضل وإلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول. فإن قالوا: فقد قال تعالى: ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ (3) وذلك يبطل الخبر! قيل لهم ليس في ذلك بيان المال أيضا وفي الآية ما يدل على أن المراد النبوة والعلم لان زكريا خاف على العلم أن يندرس وقوله: (وإني خفت الموالى من ورائي) يدل على ذلك لان الأنبياء لا تحرص على الأموال حرصا يتعلق خوفها بها وإنما أراد خوفه على العلم أن يضيع فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه. وقوله: (ويرث من آل يعقوب) يدل على أن المراد العلم والحكمة لأنه لا يرث أموال يعقوب في الحقيقة (4) وإنما يرث ذلك غيره قال: فأما من يقول: إن المراد: أنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، أي ما جعلناه صدقة في حال حياتنا لا نورثه فركيك من القول لان إجماع الصحابة يخالفه لان أحدا لم يتأوله على هذا الوجه لأنه لا يكون في ذلك تخصيص الأنبياء ولا مزية لهم ولأن قوله: (ما تركناه صدقة) جملة من الكلام مستقلة بنفسها كأنه