إنما تنال بالوراثة، وتستحق بالعمومة، وتستوجب بحق العصبة، فليس لهم أيضا فيها دعوى. وإن كانت لا تنال إلا بالسوابق والأعمال والجهاد، فليس لهم في ذلك قدم مذكور، ولا يوم مشهور، بل كانوا إذ لم تكن لهم سابقة، ولم يكن فيهم ما يستحقون به الخلافة، ولم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع، لكان أهون ولكان الامر عليهم أيسر، قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي صلى الله عليه وآله وفي محاربته له، وإجلابه عليه وغزوه إياه، وعرفنا إسلامه حيث أسلم، وإخلاصه كيف أخلص، ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود، وكلامه يوم حنين، وقوله يوم صعد بلال على الكعبة، فأذن. على أنه إنما أسلم على يدي العباس رحمه الله، والعباس هو الذي منع الناس من قتله، وجاء به رديفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وسأله فيه أن يشرفه وأن يكرمه وينوه به، وتلك يد بيضاء، ونعمة غراء، ومقام مشهود، ويوم حنين غير مجحود، فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا عليا، وسموا الحسن، وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر (1)، وكشفوا عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت دورهم عنوة، وبعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وهما غلامان لم يبلغا الحلم، وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من صلب علي عليه السلام، وسبعة من صلب عقيل، ولذلك قال ناعيهم:
عين جودي بعبرة وعويل * واندبي إن ندبت آل الرسول تسعة كلهم لصلب علي * قد أصيبوا وسبعة لعقيل ثم إن أمية تزعم أن عقيلا أعان معاوية على علي عليه السلام، فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب! وإن كانوا صادقين فما جازوا عقيلا بما صنع! وضرب عنق مسلم