إلى هذا يخطب قاعدا، والله تعالى يقول لرسوله: ﴿وتركوك قائما﴾ (1).
قال: وأول من قعد في الخطب معاوية، وأول من أذن وأقام في صلاة العيد بشر بن مروان، وكان عمال بنى أمية يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة، ويقولون:
هؤلاء فروا من الجزية، ويأخذون الصدقة من الخيل، وربما دخلوا دار الرجل قد نفق (2) فرسه أو باعه، فإذا أبصروا الآخية، قالوا: قد كان هاهنا فرس، فهات صدقتها، وكانوا يؤخرون صلاة الجمعة تشاغلا عنها بالخطبة، ويطيلون فيها، إلى أن تتجاوز وقت العصر، وتكاد الشمس تصفر، فعل ذلك الوليد بن عبد الملك ويزيد أخوه والحجاج عاملهم، ووكل بهم الحجاج المسالخ معه والسيوف على رؤوسهم فلا يستطيعون أن يصلوا الجمعة في وقتها.
وقال الحسن البصري: وا عجبا من أخيفش (3) أعيمش! جاءنا ففتننا عن ديننا، وصعد على منبرنا، فيخطب والناس يلتفتون إلى الشمس فيقول: ما بالكم تلتفتون إلى الشمس!
إنا والله ما نصلي للشمس، إنما نصلى لرب الشمس! أفلا تقولون: يا عدو الله، ان لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقا بالنهار لا يقبله بالليل، ثم يقول الحسن: وكيف يقولون ذلك وعلى رأس كل واحد منهم علج (4) قائم بالسيف!
قال: وكانوا يسبون ذراري الخوارج من العرب وغيرهم، لما قتل قريب وزحاف الخارجيان، سبى زياد ذراريهما، فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهما، وأعطى عباد بن حصين الأخرى، وسبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري، وبنت لقطري بن الفجاءة المازني، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك، واسمها أم سلمة،