شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٥ - الصفحة ٢٥١
قلت: هذا أيضا من تحامل أبى عثمان، هلا ذكر قتلى الطف وهم عشرون سيدا من بيت واحد قتلوا في ساعة واحدة! وهذا ما لم يقع مثله في الدنيا لا في العرب ولا في العجم.
ولما قتل حذيفة بن بدر يوم الهباءة (1) وقتل معه ثلاثة أو أربعة من أهل بيته ضربت العرب بذلك الأمثال واستعظموه، فجاء يوم الطف، " جرى الوادي فطم على القري (2) ".
وهلا عدد القتلى من آل أبي طالب فإنهم إذا عدوا إلى أيام أبى عثمان كانوا عددا كثيرا أضعاف ما ذكره من قتلى الأسديين!
قال أبو عثمان: وإن كان الفخر والفضل في الجود والسماح فمن مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب! ومن مثل عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب!
وقد اعترضت الأموية هذا الموضع فقالت: إنما كان عبد الله بن جعفر يهب ما كان معاوية ويزيد يهبان له، فمن فضل جودنا جاد.
قالوا: ومعاوية أول رجل في الأرض وهب ألف ألف درهم، وابنه أول من ضاعف ذلك، فإنه كان يجيز الحسن والحسين ابني علي عليه السلام في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم، وكذلك كان يجيز عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر، فلما مات وقام يزيد وفد عليه عبد الله بن جعفر، فقال له: إن أمير المؤمنين معاوية كان يصل رحمي في كل سنة بألف ألف درهم، قال: فلك ألفا ألف درهم، فقال:
بأبي أنت وأمي! أما إني ما قلتها لابن أنثى قبلك، قال: فلك أربعة آلاف ألف درهم.
وهذا الاعتراض ساقط، لان ذلك إن صح لم يعد جودا ولا جائزة ولا صلة رحم، هؤلاء

(1) يوم الهباءة من أيام العرب المشهورة.
(2) قال صاحب مجمع الأمثال 1: 158 " أي جرى سيل الوادي فطم، أي دفن، يقال:
طم السيل الركبة، أي دفنها. والقرى: مجرى الماء في الروضة والجمع أقرية... أي أتى على على القرى، يعني أهلكه بأن دفنه.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست