ولقد قدم المنصور عليهم عمر بن عبد العزيز بقوله: أعور بين عميان، وزعمتم أنه كان ناسكا ورعا تقيا، فكيف وقد جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير مائة جلدة، وصب على رأسه جرة من ماء بارد في يوم شات، حتى كز (1) فمات، فما أقر بدمه، ولا خرج إلى وليه من حقه، ولا أعطى عقلا ولا قودا، ولا كان خبيب ممن أتت عليه حدود الله وأحكامه وقصاصه، فيقال كان مطيعا بإقامتها، وأنه أزهق الحد نفسه! واحتسبوا الضرب كان أدبا وتعزيرا، فما عذره في الماء البارد في الشتاء، على أثر جلد شديد! ولقد بلغه أن سليمان بن عبد الملك يوصي، فجاء حتى جلس على طريق من يجلس عنده أو يدخل إليه، فقال لرجاء بن حياة في بعض من يدخل ومن يخرج: نشدتك الله أن تذكرني لهذا الامر، أو تشير بي في هذا الشأن، فوالله ما لي عليه من طاقة! فقال له رجاء:
قاتلك الله، ما أحرصك عليها!
ولما جاء الوليد بن عبد الملك بنعي الحجاج، قال له الوليد: مات الحجاج يا أبا حفص؟
فقال: وهل كان الحجاج إلا رجلا منا أهل البيت! وقال في خلافته: لولا بيعة في أعناق الناس ليزيد بن عاتكة لجعلت هذا الامر شورى بين صاحب الأعوص إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد الأشدق وبين أحمس قريش القاسم بن محمد بن أبي بكر، وبين سالم بن عبد الله بن عمر، فما كان عليه من الضرر والحرج، وما كان عليه من الوكف (2) والنقص أن لو قال: بين علي بن العباس وعلي بن الحسين بن علي! وعلى أنه لم يرد التيمي ولا العدوي، وإنما دبر الامر للأموي، ولم يكن عنده أحد من هاشم يصلح للشورى، ثم دبر الامر ليبايع لأخيه أبى بكر بن عبد العزيز من بعده حتى عوجل بالسم.
وقدم عليه عبد الله بن حسن بن حسن، فلما رأى كماله وبيانه وعرف نسبه ومركبه