قوم كان يخافهم على ملكه، ويعرف حقهم فيه، وموقعهم من قلوب الأمة، فكان في ذلك تدبيرا، ويريع (1) أمورا، ويصانع عن دولته وملكه، ونحن لم نعد قط ما أعطى خلفاء بني هاشم قوادهم وكتابهم وبنى عمهم جودا، فقد وهب المأمون للحسن بن سهل غلة عشرة آلاف ألف فما عد ذلك منه مكرمة، وكذلك كل ما يكون داخلا في باب التجارة واستمالة القلوب، وتدبير الدولة، وإنما يكون الجود ما يدفعه الملوك في الوفود والخطباء والشعراء والاشراف والأدباء والسمار ونحوهم، ولولا ذلك لكان الخليفة إذا وفى الجند أعطياتهم احتسب ذلك في جوده، فالعمالات شئ والاعطاء على دفع المكروه شئ، والتفضل والجود شئ. ثم إن الذين أعطاهم معاوية ويزيد هو بعض حقهم، والذي فضل عليهما أكثر مما خرج منهما.
وإن أريد الموازنة بين ملوك بنى العباس وملوك بنى أمية في العطاء افتضح بنو أمية وناصروهم فضيحة ظاهرة، فإن نساء خلفاء بنى عباس أكثر معروفا من رجال بنى أمية، ولو ذكرت معروف أم جعفر وحدها لأتى ذلك على جميع صنائع بنى مروان، وذلك معروف، ولو ذكر معروف الخيزران وسلسبيل لملئت الطوامير الكثيرة به، وما نظن خالصة مولاتهم إلا فوق أجواد أجوادهم، وإن شئت أن تذكر مواليهم وكتابهم فاذكر عيسى بن ماهان، وابنه عليا، وخالد بن برمك وابنه يحيى، وابنه جعفرا والفضل وكاتبهم منصور بن زياد ومحمد بن منصور وفتى العسكر، فإنك تجد لكل واحد من هؤلاء ما يحيط بجميع صنائع بنى عبد شمس.
فأما ملوك الأموية فليس منهم إلا من كان يبخل على الطعام، وكان جعفر بن سليمان كثيرا ما يذكر ذلك، وكان معاوية يبغض الرجل النهم على مائدته، وكان