وإذا أفكر العبد بقلبه في سوء صنيعه وابصر ما هو عليه من ذميم الافعال سنحت في قلبه إرادة التوبة والإقلاع عن قبيح المعاملة فيمده الحق سبحانه بتصحيح العزيمة والاخذ في طرق الرجوع والتأهب لأسباب التوبة.
وأول ذلك هجران اخوان السوء فإنهم الذين يحملونه على رد هذا القصد و عكس هذا العزم ويشوشون عليه صحة هذه الإرادة ولا يتم ذلك له الا بالمواظبة على المشاهد والمجالس التي تزيده رغبة في التوبة وتوفر دواعيه إلى اتمام ما عزم عليه مما يقوى خوفه ورجاءه فعند ذلك تنحل عن قلبه عقدة الاصرار على ما هو عليه من قبيح الفعال فيقف عن تعاطى المحظورات ويكبح نفسه بلجام الخوف عن متابعة الشهوات فيفارق الزلة في الحال ويلزم العزيمة على الا يعود إلى مثلها في الاستقبال فان مضى على موجب قصده ونفذ على مقتضى عزمه فهو الموفق حقا وإن نقض التوبة مرة أو مرات ثم حملته ارادته على تجديدها فقد يكون مثل هذا كثيرا فلا ينبغي قطع الرجاء عن توبة أمثال هؤلاء فان لكل اجل كتابا وقد حكى عن أبي سليمان الداراني انه (1) قال اختلفت إلى مجلس قاص فأثر كلامه في قلبي فلما قمت لم يبق في قلبي شئ فعدت ثانيا فسمعت كلامه فبقي من كلامه في قلبي أثر في الطريق ثم زال ثم عدت ثالثا فوقر كلامه في قلبي وثبت حتى رجعت إلى منزلي وكسرت آلات المخالفة ولزمت الطريق.
وحكيت هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال عصفور اصطاد كركيا يعنى بالعصفور القاص وبالكركي أبا سليمان.
ويحكى أن أبا حفص الحداد ذكر بدايته فقال تركت ذلك العمل - يعنى المعصية - كذا وكذا مرة ثم عدت إليها ثم تركني العمل فلم أعد إليه.