ثم ذكر ماهية هذه الرؤية، قال: إنها رؤية البصيرة، لا رؤية البصر.
ثم شرح ذلك، فقال: إنه تعالى قريب من الأشياء، غير ملامس لها، لأنه ليس بجسم، وإنما قربه (1) منها علمه بها، كما قال تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) (2).
قوله: (بعيد منها غير مباين)، لأنه أيضا ليس بجسم فلا يطلق عليه البينونة، وبعده منها هو عبارة عن انتفاء اجتماعه معها، وذلك كما يصدق على البعيد بالوضع، يصدق أفضل الصدق على البعيد بالذات الذي لا يصح الوضع والأين أصلا عليه.
قوله: (متكلم بلا روية)، الروية: الفكرة يرتئي الانسان بها ليصدر عنه ألفاظ سديدة دالة على مقصده، والبارئ تعالى متكلم لا بهذا الاعتبار، بل لأنه إذا أراد تعريف (خلقه) (3) من جهة الحروف والأصوات، وكان في ذلك مصلحة ولطف لهم، خلق الأصوات والحروف في جسم جمادى، فيسمعها من يسمعها، ويكون ذلك كلامه، لان المتكلم في اللغة العربية فاعل الكلام لا من حله الكلام. وقد شرحنا هذا في كتبنا الكلامية.
قوله: (مريد بلا همة)، أي بلا عزم، فالعزم عبارة عن إرادة متقدمة للفعل، تفعل توطينا للنفس على الفعل، وتمهيدا للإرادة المقارنة له، وإنما يصح، ذلك على الجسم الذي يتردد فيها، تدعوه إليه الدواعي، فأما العالم لذاته، فلا يصح ذلك فيه.
قوله: (صانع لا بجارحة)، أي لا بعضو، لأنه ليس بجسم.
قوله: (لطيف لا يوصف بالخفاء)، لان العرب إذا قالوا لشئ: إنه لطيف، أرادوا أنه صغير الحجم، والبارئ تعالى لطيف لا بهذا الاعتبار بل يطلق باعتبارين