قال: لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين وهو صريع، فاستسقى، فأتى بشربة من لبن، فشرب، فقال:
اليوم ألقى الأحبة.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلي أن آخر شربة أشربها في الدنيا شربة من لبن، ثم استسقى ثانية فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء، فيه ضياح (1) من لبن، فقال حين شربه: الحمد لله، الجنة تحت الأسنة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل، ثم قاتل حتى قتل.
قال أبو عمر: وقد روى حارثة بن المضراب: قرأت كتاب عمر إلى أهل الكوفة:
أما بعد، فإني بعثت إليكم عمارا أميرا، و عبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء، من أصحاب محمد، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة.
قال أبو عمر: وإنما قال عمر: هما من النجباء، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
(إنه لم يكن نبي إلا أعطى سبعة من أصحابه نجباء وزراء فقهاء، وإني قد أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفرا، وعليا، وحسنا، وحسينا، وأبا بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وسلمان، وعمارا، وأبا ذر، وحذيفة، والمقداد، وبلالا).
قال أبو عمر: وتواترت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (تقتل عمارا الفئة الباغية)، وهذا من إخباره بالغيب، وأعلام نبوته صلى الله عليه وآله، وهو من أصح الأحاديث.
وكانت صفين في ربيع الاخر سنة سبع وثلاثين، ودفنه علي عليه السلام في ثيابه ولم يغسله.